للقراءة طقوسها التي تختلف من قارئ لآخر، وأعني هنا تحديدا الكتب الورقية، فالغالبية من محبي القراءة عند إقبال النفس يفضلون أن يكون المكان هادئا ومرتبا بعيدا عن البشر وعن كل المشتتات والملهيات من جوال وتلفزيون وغيرها، بغض النظر عن المكان، وهناك آخرون لا يهمهم كل ذلك ومن حولهم عندما ينتابهم شعور الرغبة في القراءة، ولكن في بعض الأحيان ينتاب القارئ عموما - سواء المعتاد على القراءة أو المبتدئ - شعور بالملل والفتور من القراءة وربما يؤدي ذلك للابتعاد عنها وقتا طويلا، وفي هذه الحالة يستحسن به أن يتبع بعض الحيل النفسية أو التكنيكات التي تساعده في استعادة لياقته "القرائية"، فالعقل كالعضلة بحاجة للتمرين المستمر لكي تكون العودة للقراءة أسهل وأسرع في أقصر مدة.

عندما يتسلل هذا الشعور يستحسن بك قراءة الكتب الخفيفة أو المجلات المسلية ابتداء، وجرب أن تقرأ في وضعية الوقوف أمام مكتبتك، ولا يمنع أن تقرأ كتبك من الصفحة الأخيرة تنازليا، خصوصا إن كانت المواضيع والأفكار غير مترابطة، وعندما تمسك الكتاب لا تشعر نفسك بأن أمامك مهمة كبيرة تحتاج فيها لقراءة كثير من الصفحات وتخصيص وقت معين لها، ولكن قل في نفسك "سأقرأ فقط 5 دقائق وسأنشغل بعدها بالشغل الفلاني"، وستجد نفسك قد استرسلت في القراءة أكثر، ومن الحيل الناجعة جرب فقط أن تجلس عند مكتبتك على الأرض وتنثر الكتب من حولك وتقرأ من كل كتاب صفحة - لتبديد الشعور بالالتزام - وستجد نفسك قد قطعت شوطا كبيرا واستغرقت في القراءة دون أن تشعر لكثرة الخيارات وتنوع مجالات الكتب، وجرب القراءة ماشيا ووزع كتبك في أنحاء متفرقة من البيت لتكون قريبة من متناول اليد في غرفتك وفي المجلس وفي غرفة المعيشة وهكذا.. بشرط أن تكون كتبا خفيفة لا تحتاج جهدا عقليا يمنعك من التواصل مع من حولك وفي نفس الوقت تحفزك هذه الطريقة على القراءة.

وهنا همسة للمبتدئين في القراءة بأن يبدؤوا قراءاتهم بالصفحات القليلة من الصحف والمجلات الدورية أو الكتب الخفيفة والروايات ذات الطابع القصصي أو السير الذاتية - بعيدا عن الكتب الثقيلة المتعمقة والمتخصصة - فهي مدخل جيد للقراءة، لأن الانتهاء من قراءتها يولد شعور الإنجاز، ويرسم صورة ذهنية إيجابية عن القراءة، ويشجع على حبها وتكرار تجربتها باستمرار حتى تصبح عادة جميلة.

ولنتذكر أن القراءة ليست إلا وسيلة لتنمية الأفكار، وهي بحد ذاتها نافعة وأمر محمود في كل الأحوال لاستغلال الوقت، ولكن ثمراتها الحقيقية تتجلى عندما تغير من شخصياتنا وتحسن من سلوكنا وتصرفاتنا وترتقي بنا وبأفكارنا للأفضل، أو حين تدفعنا لتنوير العقول ونشر ما نقرؤه للآخرين من علم ومعرفة وما أجمل أن تجتمع كلتاهما.