يقول الاستشاري النفسي والتربوي الدكتور مصطفى أبوسعد: إن هناك ممثلا أمريكيا مشهورا - لم يكمل دراسته المبكرة - سأله مذيع في أحد البرامج: كيف حققت هذه الشهرة في مجال السينما وأصبحت أفلامك هي الأكثر سعرا وانتشارا وأنت لم تلتحق إلا بالمدرسة الإجبارية؟، فرد عليه الممثل: بالعكس أنا محظوظ فلو أنني أكملت دراستي لأفسدت المدرسة والمدرسين عقلي ولن أحقق ما حققته!، ومباشرة في اليوم التالي للقاء غاب عن المدرسة مليون ونصف المليون طالب أمريكي على الرغم من أن معدل الغياب اليومي الطبيعي ربع مليون طالب! فتقصى المسؤولون والمختصون الاجتماعيون في وزارة التعليم هذه الظاهرة الغريبة، فوجدوا أن تصريح هذا الممثل في التلفاز هو السبب.

هذه القصة المختصرة التي نقلتها بتصرف تكشف مدى تأثير الإعلام الرسمي بكل وسائله، إضافة لبرامج التواصل الاجتماعي والتي تتصدر المشهد حاليا، ولا يخفى على كل عاقل تأثير المشاهير ونجوم الإعلام في كل المجالات على كثير من الكبار فكيف بالصغار والأطفال الذين يعتبرونهم قدوات وملهمين؟! والمصيبة إن كان ما يقدم من محتوى هابط يميل بهم عن النقاء ويغسل براءة أدمغتهم وفطرتها، ويزيد خطره على المدى البعيد من خلال ترسيخ مبادئ وقناعات جديدة في اللاشعور، إضافة للتغير السريع في السلوك من خلال التقليد والمحاكاة.

وهنا يجدر بالآباء والمربين الانتباه لمثل هذا التدفق الفكري والمعلوماتي غير المنضبط أخلاقيا، وتوجيه فلذات أكبادنا بأن هؤلاء المشاهير ليسوا قدوات وأنه يجب عليهم ألا يأخذوا بكل ما يقولونه ويفعلونه على أنه صحيح وحقيقة مطلقة، وكذلك السعي لتعزيز ثقتهم في أنفسهم بمنحهم قدرا من الثقة على أنهم مسؤولون عن تصرفاتهم وتشجيعهم على إعمال عقولهم لتمييز ما يتلقونه وبأنهم على ذلك قادرون، وأما حين يكون هذا المحتوى السيئ أجنبيا من خارج حدودنا ولغتنا فنوجههم بلطف للفخر بدينهم وثقافتهم وهويتهم، وأن ما يصدر من أولئك القوم ينافي الأدب والقيم الإنسانية العليا - فضلا عن الدين - ودليل عدم احترامهم لأنفسهم، ونبين لهم أيضا بأنهم لا يقصدون بأفعالهم وسلوكهم الإساءة لنا لأنهم لا يعرفون ثقافتنا ورفضنا لذلك، ولكي لا يعتقدوا بأنهم يحتقروننا فتتولد بداخلهم مشاعر الكراهية والحقد ويضعف تقديرهم لذواتهم وثقتهم بمبادئهم وثقافتهم.