لم يفصل بين أزمتي (إنفلونزا الخنازير) و(كوفيد - 19) سوى 11 عاما تبدلت فيها الكثير من الأمور، إلا أن المملكة العربية السعودية ظلت ثابتة وواثقة في تعاطيها مع الأزمتين بشكل عام، وفي موسم الحج تحديداً. فالسعودية التي ضربت أروع وأجمل الأمثلة في مواسم الحج وخدمة الحجيج بشهادة القاصي والداني، لم تكن الأزمتان لديها سوى امتداد لهذا التعاطي المميز والذي بات أنموذجا يحتذى به عالميا في كيفية التعاطي مع الحشود أثناء الأزمات.

لو عدنا لأكثر من عشر سنوات مضت وتحديدا في حج عام 2009 الذي سبقه بأشهر ظهور إنفلونزا الخنازير، نجد أن المملكة من ظهور الفايروس أعلنت أن سلامة المعتمرين والحجاج أولوية قصوى لها. وفي تلك الأثناء تمكن الأطباء من إيجاد لقاح للفايروس، وطبقت المملكة حينها نظرية النظم المتكاملة، التي أحكمت من خلالها مدخلاتها بناء على خطة علمية منظمة ودقيقة، وذلك بتشديد الإجراءات الاحترازية والوقائية، بالإضافة إلى وجود كاميرات حرارية في المنافذ كافة، علاوة على الاشتراطات الصحية من تطعيمات وخلافه، وأظهرت المملكة للعالم أجمع قدرتها على إدارة الحدث.

وها هي الأزمات الصحية عالمياً تتجدد ولكن بسيناريو مختلف، بظهور فايروس كورونا الذي فاق في انتشاره ملايين المصابين حتى أضحى يسمى بالجائحة، ومنذ البوادر الأولى لظهور الجائحة تعاملت المملكة بمبدأ الشفافية المطلقة مع الأزمة في نموذج مميز. تم تعليق الصلاة في الحرمين في بدايات الأزمة حفاظاً على سلامة وصحة المسلمين، وأشادت العديد من مراكز الإفتاء الإسلامية بخطوة المملكة، واصفة إياها بأنها تهدف للحفاظ على صحة المسلمين. من ذلك الحين والمملكة تؤكد أن موسم الحج تدرس فيه العديد من الأمور، وكيفية إقامته هذا العام، ولم تترك للإشاعات فرصة.

وفور إعلان آلية حج هذا العام عمدت المملكة للشفافية في شرح تفاصيله كافة، وأشاد 1200 وزير وعالم ومفت بقرار تنظيم الحج بعدد محدود، حيث سطرت المملكة أروع الأمثلة في كيفية التعاطي مع الأزمات وإدارة الحشود ابتداء من التوجيه الملكي بعدم قبول تجاوزات أو استثناءات، مرورا بالشفافية في التعاطي مع الأزمة، والجهود الاتصالية المبذولة من حيث الحرص على تقديم المعلومات أولا بأول، وشرح آلية الحج لهذا العام في أكثر من مناسبة، بالإضافة إلى التجاوب مع أسئلة وسائل الإعلام في نموذج اتصالي واضح ومباشر.

وامتدادا لذلك التعاطي، أنشأت وزارة الإعلام مركزا إعلاميا افتراضيا، لوضع الجميع في قلب الحدث وموافاتهم بكل المستجدات أولاً بأول في تجسيد حقيقي لما ينبغي أن يكون عليه التعاطي الاتصالي مع الأحداث.

تراكم الخبرات الاتصالية لدى القائمين على موسم الحج، أفرز العديد من الممارسات الذكية، والتي تسعى في الوصول بالرسالة للحجيج كافة، ابتداء من الرسائل التوعوية بلغات متعددة، وكذلك الحال للوحات الإرشادية في مناطق المشاعر، وهو الأمر الذي ينم عن وعي اتصالي فائق وحرص على تأكيد وصول المعلومات للحجاج بمختلف جنسياتهم.

الكم الهائل والكبير من المعلومات التي تزخر بها وسائل الإعلام المحلية والخارجية ووكالات الأنباء عن موسم الحج ما كانت لتتوفر لديهم لولا أن هناك جهودا اتصالية كبيرة تعتمد في المقام الأول على الشفافية، وتغذية الجميع بالمستجدات والأمور المتعلقة بالحج، ما خلق لتلك الوسائل غزارة في المحتوى مكنتها من تقديم تغطيات مميزة عن موسم الحج.

ومما يكسب تنظيم الحج خصوصية فريدة من نوعها باختلاف سائر التنظيمات، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يقام الحدث عن بعد أو افتراضيا، الأمر الذي جعل المملكة تحرص على إقامته ضمن أعلى اشتراطات السلامة، وبإجراءات تضمن الحفاظ على صحة ضيوف الرحمن.

وها نحن اليوم نشهد مزيدا من النجاحات تضاف لتراكم نجاحات في مواسم الحج السابقة مهما اختلفت الظروف رغم استثنائية هذا العام، إلا أن المملكة برهنت للعالم أجمع على قدرتها الفائقة في التعاطي مع الأزمات وتجاوزها مهما كانت.