يفرق بين الأمر السامي في الأدوات التنظيمية للإرادة الملكية، وفقاً للعرف الدستوري في الكتب والمراجع العلمية المتخصصة في القانون السعودي، بأنه غالباً ما يتعلق بما يحقق مصالح المواطنين، ولعل أقرب مثال على ذلك هو قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، وتم تنفيذ القرار حال صدوره وعُمل به وأصبحت المرأة السعودية ذات حق وشريكة للرجل في قيادة الطريق، ولم يختلف بعد ذلك في الوضع سلباً أي شيء بل له إيجابيات عدة لسنا بصدد ذكرها اليوم. ثم جاء الأمر السامي رقم 33322 بتاريخ 21 /‏ 7 /‏ 1438هـ، والقاضي، بالتأكيد على جميع الجهات المعنية بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي الأمر عند تقديم الخدمات لها أو إنهاء الإجراءات الخاصة بها، وسرعة معالجتها. تباركت المرأة السعودية بهذا القرار للاعتداد بنفسها، وزراعة الثقة التي تجعلها تمارس حياتها باستقلالية، كندٍ قوي لشريكها الرجل في بناء مستقبلها وهذا الوطن والسمو به. تحدثت في المقال السابق عن الهجوم الذي تعرضت له الدكتورة إقبال درندري لمجرد أنها قدمت توصية طالبت فيها وزارة الداخلية والجهات المختصة بـ«دراسة أسباب تأخر تفعيل الأمر السامي رقم 33322»، وصل الهجوم الذي طالها أقصى مراحله من الفئة التي حددناها بأنها قد تكون بلا شك متأخرة في الوعي، أو ذات مآرب أخرى، وخصصت هذا المقال للحديث عن التوصية. أولاً التوصية لدراسة أسباب تأخير تفعيل القرار، أي أنه قرار تحته مجموعة من البنود صدرت من ولي الأمر بعد دراسة شاملة متكاملة للقرار، وبالتالي الهجوم والمعارضة هي على قرار ولي الأمر، إنما توصية العضو إقبال درندري عن أسباب تأخير تفعيله.

ثانياً القرار كما ذكرنا، في الأدوات التنظيمية للإرادة الملكية، غالباً القرار أو الأمر السامي يكون في مصلحة المواطنين، وبالتالي هذا القرار جاءت صلاحيته للمواطنين وأمرت به. الأمر الآخر أنهم كعادتهم عند رفض أمر جديد يعزفون على سيمفونية الدين، وأن من يقبل بهذا الأمر ويطالب به هو يريد المعاصي وعقوق والديه والخروج عن طاعتهم، فنجد الكثير ممن لا يقرأ ولا يفكر، ويعتمد على ما يتلقنه، يتأثر بهم ويصدقهم فينتشرون في وسائل التواصل الاجتماعي والهاشتاقات بالأدعية والأحاديث عن بر الوالدين وعقوبة عقوقهما، وربطها بتفاصيل القرار السامي، لكسب جيوش من المعارضين والمحاربين.

هؤلاء الجماعة هم من يرفض عمل المرأة اليوم في المقاهي، ويرضى أن تبقى متسولة عند الإشارات المرورية، يرفض أن تستقل بنفسها وترعاها، ويرضى أن تبقى في سجن ومعاناة من قبل والد متعاطٍ أو إخوة متحرشين، بحكم أنها في الأولى قد تلفتهم وتغويهم، وفي الثانية هي ابنتهم، ولهم حق التصرف بها دون أي محاسبة. هم لا يريدونها قوية مستقلة، بل ضعيفة، رهينة حاجتهم، تكسر جناحيها توقيعاتهم الرسمية، وأنا أكاد أجزم أنك لن تجد عائلة سوية لديها اعتراض على هذا القرار، بل إنهم سعيدون به وسوف ييسر عليهم الكثير، كما فعل قرار السماح بقيادة المرأة، كما أنه لا يمكن لأنثى أن تفعل ذلك دون معرفة والديها ومشاركتهم أمرها بسعادة، أو زوجها إذا كانت متزوجة، فيصورون الأنثى كئيبة كارهة للحياة. ولو افترضنا وجود الأخريات، فهن قلة، ولا يمكن أن نصادر حق %70 بسبب أخريات مارسن حقهن بالسر والكتمان لظروف نجهلها، وأثق أنها كلها، خوف واحتماء من متشددين أو رجعيين لا يريدونها تعيش سعيدة.

معاملة المرأة، معاملة القاصر، أمر يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية القائمة على المساواة والعدالة بين الجنسين، وإعطاء الأهلية الكاملة للمرأة، وعدم فرض الوصاية عليها، أو معاملتها كقاصر، أو تطبيق أيّ شكلٍ من أشكال التمييز ضدّها.