عزيزي، عيدنا مبارك. بيننا ما علمه الله وأراده من وشائج. أحببتك وجالستك مؤمنا بمولانا العظيم الذي بعث نبيه الحبيب ليتمم مكارم الأخلاق. ما خطر لي مرة من منا يتكلم أو يصمت ومن منا يبدأ بالسلام أو يرده، فالعشرة تجعل القلوب واحدا لا فضل لبعضه على بعض.

عزيزي، عيدنا عظيم. خاصمتني وأطلت الإعراض. أبسط يدي إليك بالسلام فتمد يدا متثاقلة، لكنني أفرح بها. لا ألبث طويلا وإذ بخصومة كسابقتها، لا تصارحني بها بل تعلنها لهذا وتلك وأولئك وتحملهم علي ليلوموني! خصومة كسابقتها لا أعرف قبلها ولا بعدها ولا لها سببا يعقل. قال لي أحد العشرات الذين أعلنت لهم قبلي أنك غضبت من شأن بيننا حدثتك عنه على انفراد، فأعلنتها حربا علي! عدت واستقبلتك مرحبا لأنها أمور أهون من أن تروى، وأتفه من أن تذكر، وأسخف من أن يكون مثلها بين عزيزين.

عزيزي، عيدنا كبير. خاصمتني ثالثة وسادسة وأكثر! أوغرت صدورا أصحابها لم يتبينوا فأسمعوني عجبا! سبّيتني ولم تبلغ عزيزك مرة واحدة ولو برسالة! استقبلك في بيتي مرحبا لا فضلا بل هي طبيعة المعزة وواجب المسلم.

الأطفال يتدابرون ويتخاصمون ويتواثبون، وحاشا لك ولي أن نتعامل كذلك. بيني وبينك روابط عطرة عمرها سنينا. استقبلك مبتسما فتدخل مشيحا بوجهك، ثم لا تلقي سلاما ولا تبتسم ولا تقترب. أرحب بك في بيتي، فتجلس ثم تطعم، وتنصرف ولا أسمع منك، ولا تقترب مهما حاولت أن أقترب وأنظر إليك، والذين من حولنا يتعجبون، وقد لا يصدق قارئ هذا، وحتى أنا لا أكاد أصدقه لولا أني شهدته وشهده غيري!

عزيزي، عيدنا جميل. لو قاطعتني في مظلمة، لو خاصمتني في حق، لو شكوتني في بذاءة، لو رددت علي مسبة، لو غضبت أن ناجيتك أمام ثالث، لربما كانت أفعالك مقبولة.

عزيزي. عيدنا فرح قلوب وجوارح. دونك درجة إيمان، ودرجة خلق، ودرجة عقل، ودرجة نسب، ودرجة جيرة الحرمين، ودرجة قرابة أو رحم أو صداقة، ودرجة رشد، ودرجة علم، ودرجة عيش وملح، ودرجة سن وخبرة، ودرجة إنسانية. درجات ودرجات تنزه صاحبها عن ترهات الصبية ومشاجرات الجاهلين ومشاحنات الحمقى، ترفعه فلا يرى إلا آفاقا رحبة.

أترضى ألا تقف على واحدة منها فتهوي عنها جميعا حتى قاع تستبدل فيه بمكرمة القدوة الحسنة علة القدوة المنفرة؟

عزيزي. عيدنا تسامح. الرحمن الرحيم نقولها مرات كل يوم وليلة وتقولها مثلنا، فاعقلها أيها الحبيب.

إلام فجور في خصومة أكره وصف من يفعله وبلا خصومة؟ إلام تقعد أسفل سلم الحياة وأنت تعتد وتتغنى بدرجاته التي تميز الإنسان؟ درجات شديدة ثمينة أنعم الله بها علينا، تحف بها أعيادا وأياما مباركة ومواعظ، ناهيك عن مراسلاتنا في الذكرى التي تنفع المؤمنين، قطعتها عني وأنا لم أقطعها عنك. ماذا أفعل أخبرني؟ ماذا تريد وأنت تخلُصُ من قطيعة لأخرى ومن شكوى لشكاوى؟ هل تزيد أعمارنا في خسارتنا؟ أم نزداد بها وبتلك الدرجات الجميلة حكمة وطمأنينة وتعقل فنقترب من مولانا العظيم؟ أم ترانا نزداد أوهاما تورثنا الكبر الممقوت الذي يقرع صاحبه بالغفلة والرعونة فيهوي فاقدا كل مؤهلات الإنسان الذي أسجد له ربه الملائكة؟ ألا يحركك نفور كثيرين منهم من لا تصدق أنهم يفعلون، أو لعلك لا تريد أن تصدق؟

أنا ما حقدت عليك ولا حسدتك يوما رغم ما فاجأتني به مرارا حين تسب أمورا وتحقر أخرى اكتسبتها في حياتي وأنا ما ذكرتها قط ولا تسميت بها ولا تغنيت مرة واحدة، وكفى بالله شهيدا.

نحن سواسية لا فضل بيننا إلا بالتقوى، وأنا لست بأفضل منك. عزيزي. كأن نهرا رقراقا تبخر عن شرر.

أنا في فجيعة رغم ما يقوله قلة من الصادقين عن النسيان والمضي في الحياة. فجيعتي ليست أن تنقلب المحبة أذى متصلا من تفاهات يتنزه كلانا أن يعبأ بمثلها.

فجيعتي ليست أن يتخلى امرؤ عن نعم كثيرة تدعمه ودرجات ترفعه، فلا يتحلى بواحدة منها، اللهم إلا بنعمة اللباس وحده. ليست تلك وحدها أسباب فجيعتي، بل وما فعله كثيرون من حولك إذ تركوك بلا نصرة في الحق، وبلا نصح وذكرى وأمانة في التعبير. ثم أمعنوا في الالتصاق بك وفي تصديرك والاحتفاء بك حتى توهمتهم معتمدين على وجودك وأنك مرجعهم وسندهم، ونسيت حروف كلمة الذكرى حتى أيقنت أن من يقدمها لك مجرم في حقك!

نعم. فجيعتي فيك وفي كثيرين. أسأت لنفسك بترك أسباب البصيرة مثلما أساؤوا إليك، وقد أساؤوا الظن بي ووصفوني بما يكرهونه على أنفسهم، وأنا ما طلبت رأيا ولا وساطة ولا مشاركة من أحد، لأنني -ببساطة- ما عرفت يوما سببا لكل ذلك! لكنني أكتب اليوم لعله يصلك وإياهم، ولعلي أخطأت بالكتابة، لكنه لسان حال كثيرين غيري عانوا من مثل ذلك وأكثر.

أغرتني المعزة وطول العشرة فاستجبت بأن أحسن مع عزيز لي بأمانة التعبير وبالمصارحة وبمشاركته مشاعري، وإن كان دائما بالسر أو بالرسائل. ولعلي أخطأت في الاستجابة وأمعنت في المحبة والتوقعات والنجوى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عزيزي. عيدنا مر مثله عشرات الأعياد، ألا تتجدد معها حياتنا؟ لك ولأمثالك مودتي ودعائي بالخير.

ومع أن رضاك عني ليس من رضا الله ولا سخطك من سخط الله، لكنني أتمنى أن يكون ما بيننا عامرا، وهل يضرني أو يضرك أن يكون؟ لم الضرر وليس لأحدنا عند الآخر حق دنيوي بل محبة ثمينة.

كل عام وأنت بخير.