في الآونة الأخيرة اعتدنا على انتشار بالونات ممتلئة بأخبار وأحداث ترتفع وسط سماء الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية للعالم ككل، أو لمجتمع معين من المجتمعات التي حجزت لها مساحة وكيانا على خارطة العالم. بعض هذه البالونات رائع المحتوى يرتفع بما يحمل عاليا ليرتقي بما يحتوي وعند انفجاره ينثر الفائدة أينما تساقط محتواه.. والبعض الآخر ممتلئ بالغث الذي ما إن يضيق بما يحمل حتى ينفجر بفرقعة لها صدى مزعج وآثار ضررها يفوق نفعها بكثير.

خلال الفترة القريبة الماضية انفجرت بالونة مفهوم الإعلامي في المجتمع السعودي بعد أن مسها دبوس إطلاق لقب الإعلامية الأولى على أحد مشاهير منصات الإعلام الجديد، ليُحدث انفجار هذا البالون صوتاً عالياً من الجدل وسط الساحة الإعلامية بعد أن ضاقت الصدور بما حملت من جراء ضبابية مفهوم الإعلامي في الوقت الحاضر، فمن المخطئ؟

هل هو المعلن، أم مشهورة السناب، أم هي الجهة المسؤولة سواء أكانت وزارة الإعلام أو هيئة الصحفيين، أو أي جهة رسمية تقع تحت عاتقها، مهامها ضبط المفاهيم والمسميات وتحديد المهن والمهام الإعلامية؟

في رأيي الشخصي أن المعلن والمشهورة لا يتحملان إلا النسبة الأقل من الخطأ، بل بالعكس قد يشفع لهما عدم وجود ضوابط واضحة، استخدام ضجيج الجدل الحاصل بقصد أو دون قصد للفت أكبر عدد ممكن من الأنظار، وإثارة الرأي العام لتسويق ما تم الإعلان عنه وإيصاله لأكبر شريحة من الناس بشكل أوسع، لتحقيق الهدف والغاية التي استقطب لها المشهور ودفع له من أجلها. أما المشهور فما دام إطلاق المسميات لا يضعه تحت طائلة القانون أو المساءلة وما دام في استخدامه ما سيثير زوبعة جدلية لا تجاوز قانونيا فيها، تزيد من نسب مشاهداته ومتابعيه، وبالتالي تزيد قيمته الإعلانية ويصبح مرغوبا أكثر وبالتالي تفتح له أبواب رزق أوسع.

مما سبق، أجد أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الجهات المسؤولة المشرعة التي لم تعالج الأمر منذ بدايته، وسمحت بتوزيع لقب إعلامي وإعلامية على كل من استطاع أن يطل على الناس من خلال منصة من منصات الإعلام الجديد، التي باتت متوفرة بعرض تجاري بحت يفوق طلب المحتوى الهادف بلا حسيب أو رقيب يضبطه، والآن أصبح مفهوما إعلاميا يوزع بأبخس الأثمان، بعد أن كان لا يمنح إلا لذوي الخبرة والثقافة والفكر والمحتوى الراقي الذي يرتقي بالوعي وفي جميع المجالات.

لذلك أصبح لا بد من حل سريع وفعال وجذري يعالج الضرر، ويعيد إصلاح ما أفسده بعض الشهرة الزائفة والأهداف التجارية لتعود للإعلامي هيبته ووهجه الحقيقي.

الحل يكمن في تمهين الإعلام وتوصيف وظائفه بعمل يشبه ما قامت به وزارة الثقافة قبل فترة، من خلال تحديد المهن الإعلامية بخصائص ومسميات ومهام معصرنة تواكب مستجدات عصر الإعلام الجديد، ومرونة تجعل هذا اللقب قيد التحديث بما يواكب ما يستجد بين فترة وأخرى، فمفهوم إعلامي أصبح أوسع بكثير مما كان، لذلك فمساحة الإعلامي التقليدي أصبحت بحاجة إلى إضافة فصول جديدة يندرج ضمن صفحاتها إعلاميو عصر منصات التواصل الذين رأينا نماذج مشرفة منهم يستحقون لقب إعلامي بجدارة، علما بأنه من الظلم أن نتجاهل الفائدة العظيمة التي يقدمونها والتي تضيع للأسف وسط هيمنة فقاعات صابون مواقع التواصل التي ضاع وسطها الإعلامي المعصرن، ونجم السوشال ميديا الألمع الذي يجب أن نعطيه حقه بشكل يعلي نجمه أكثر، لأنه بالفعل أكثر ما نحتاجه في هذه المرحلة الحساسة التي نعيشها، وهنا تقع المسؤولية على وزارة الإعلام وهيئة الصحافة وغيرهما ممن يجب أن يحدد الصلاحيات والأطر التي على الكل الالتزام بها.

وبعد ذلك يأتي دور الجهات المخولة بعقاب من يخرج عن إطار ضوابط المسميات والمهام الإعلامية، سواء ممن انتسب بصفة رسمية للإعلام أو كل من تعاون مع إعلامي لأي غرض كان، سواء بإعلان أو غيره.

الإعلام كان وما زال وسيبقى واجهة الشعوب ومرآتها التي تعكس صورته، لذلك يجب أن نحرص على لمعانه لأنه ببساطة - نحن - كوطن وكمجتمع - ونحن - كوطن وشعب تعودنا، وتعود العالم على رقينا ولمعان صورتنا، وهذا ما يجب أن نحرص على الحفاظ عليه وعدم السماح لأي أحد أو أي شيء أن يخدشه.