ما زالت بدائية التوظيف الأكاديمي لدينا مشكلة واضحة في معظم جامعاتنا وتحديداً في الكليات التربوية ذات التخصصات الأدبية والعلوم الإنسانية. تعتمد الإدارات فيها على معايير توظيف المعيدين والمتعاونين بالدرجة الأولى على المعدل فقط دون ضرورة وجود المهارات الأخرى، وهذا من معوقات التعليم الجامعي وتحسين مخرجاته. تميز أحدهم بقوة ملكة الحفظ لا يعني تميزه في أهم سمات الأستاذ الجامعي أو وجود مهارات الشخصية القيادية فيه. كم وكم يصادف أن نواجه في حياتنا مواقف أو تصرفات تصدر من أشخاص نعجب لتفاهتها، أو لنقل قلة معرفة أصحابها وجهلهم، ونصدم لاحقاً أن هذا الشخص أستاذ أو محاضر في إحدى جامعاتنا ويمثل قدوة للشباب الذي هو أستاذ جامعي لهم. في مثل هذه الحالات أكون على يقين تام أن هذا الشخص يمتلك ملكة حفظ مكنته من الوصول إلى هذا المكان رغم انعدام المهارات الشخصية الأخرى فيه والتي هي من ضروريات الشخصية الأكاديمية من حضور قوي، وسرعة بديهة وحسن تصرف، والقدرة على التعامل مع الآخرين، وشخصية واثقة غير مترددة، وثقافة عالية وفكر منفتح على الآخر. كل دفعة يتخرج فيها ما يقارب خمسين طالبة - تزيد ولا تنقص- ليس بالضرورة أن تكون الإعادة للأعلى معدلا، قد تكون هناك طالبة ذات معدل أقل من تلك الأولى على الدفعة، لكنها تمتلك مهارات ولديها ثقافة عالية وحضور قوي وشخصية أنسب وأصلح من صاحبة المعدل الأعلى فقط. أعجبني كثيراً ووددت لو تم تطبيقه لدينا القرار الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بخصوص بروتوكول التوظيف حسب المهارات وليس الشهادة، عندما أصدر أمرا تنفيذيا بتوجيه تعليمات لفروع الحكومة الفدرالية، بالتركيز على المهارات بدل الشهادات الجامعية في اختيار الموظفين الفدراليين. وأوضحت إيفانكا ترمب مستشارة الرئيس الأمريكي أن ما يقومون به هو تحديث التوظيف الفدرالي، للعثور على مرشحين يتمتعون بالكفاءات والمعرفة ذات الصلة، بدلا من مجرد التوظيف بناء على الشهادة، وأكدت أن البيت الأبيض لا يعني بذلك إلغاء شروط الحصول على الدرجة من أجل التوظيف، ولكنه بدلا من ذلك يشجع على إعطاء الأولوية لمهارات الوظيفة والأجدر بها. هذا القرار جامعاتنا وكلياتنا الإنسانية في أمس الحاجة إلى تطبيقه، وخاصة في العمل الأكاديمي، عن طريق تحديث معايير توظيف المعيدين في جامعاتنا السعودية، بالكفاءات لا بالمعدل والشهادة. للأستاذ الجامعي مكانة تفوق كل المهن والوظائف، فهو القدوة ونموذج يحتذى به، ويتعامل مع أكثر الشرائح حساسية وأصعبها، تحتاج أستاذا يملك شخصية فريدة من نوعها، يمتلك من المهارات ما يجعله قدوة، ومثقفا واعيا، منفتحا التفكير، واثقا من نفسه، لديه حضوره في المحاضرات، لا يعتمد على تلقين ما سهل عليه حفظه، غير منطو ومتفاعل مع طلابه. الجدير بالذكر أن الخيارات متعددة والبدائل دائماً موجودة، وهناك خريجو ماجستير ودكتوراه عاطلون، يمتلكون تلك المهارات وتأبى الجامعات أن تحدث أسلوبها البدائي في التوظيف الأكاديمي، وتظل معتمدة على معدل المعيد والمحاضر. لا أعمم هنا على كل الأساتذة والمعيدين، فهناك من تميز بمعدله العالي وشخصيته العظيمة. ولكن ما لا بد من فهمه واستيعابه، أن المعيدين والمعيدات أصحاب المعدل العالي، والذين يفتقرون إلى المهارات والشخصية الأكاديمية، لا نقصد إقصاءهم من العمل كلياً، إنما هم أبعد ما يكونون عن العمل الأكاديمي.