الصحوة السعودية منتج إخواني بامتياز، حتى ولو تشعبت داخلها المناهج والتنظيمات النظرية والتطبيقية، فالفصيل الإخواني السعودي بدأت فيه قيادة السعوديين، بعد أن نظّم حسن الهضيبي العمل داخل المملكة عام 1973، بثلاثة مكاتب في كل من الرياض وجدة والدمام، أما الفصيل السروري حينما تولى زمام إدارته السعوديون قبل منتصف السبعينيات، وهم بالمناسبة لم يتجاوزوا ثلاثة قادة حتى اليوم، كان حتى ذلك التاريخ ما يزال ضمن الخريطة التنظيمية الإخوانية غير مستقل عنها، وأفراده تابعون لمكتب الرياض، -ومكتب الرياض هذا بالمناسبة أمره خطير، وشأنه عظيم، حيث مر في عضويته خلق يشار إليهم بالبنان كمسؤولين وعلماء ورجال دولة وأعيان مجتمع، قبل أن يحدث الانشقاق السروري عن المكتب ويستقل بقيادته أحد القضاة السعوديين حينها، من طلاب أحد كبار العلماء المعروفين، غير ابن باز، بعد أن تم إبعاد محمد سرور من الأحساء إلى الكويت بشكل نهائي، ثم أعقبه انشقاق ثانٍ بعد سنوات، وتكوّن فصيل إخواني آخر في الرياض.

لم تكن هناك سرورية واضحة المعالم حينما خرج محمد سرور بن نايف زين العابدين من السعودية، ويذكر أحد شهود عيان تلك المرحلة، أنه وصلهم في تبوك هو وجماعة من أفراد التنظيم كانوا يعملون هناك في أحد القطاعات منشور كتب في صدره (اقرأ واحرق)، وذيل بمقولة: «ومتى كان للطغاة عند الإخوان عهدٌ»، وكان تعليقًا على أحد خطابات الملك فيصل -طيب الله ثراه- في عام 1975، فهم لم يتحرروا من الطوق الإخواني تمامًا إلا في منتصف الثمانينيات تقريبًا، وفيما يلي أعرض بعض الأفكار استكمالًا لأفكار المقالين السابقين، لمحاولة فهم أعمق للصحوة، حتى يتم الكتابة عنها بدقة:

أولًا: من المهم دراسة الصحوة وفقًا لنظريات علوم الاجتماع والتاريخ والسياسة، ووفقًا للنظريات النفسية، حيث تخلو معظم أو كل الدراسات عن الصحوة من هذا الجانب، وهو جانب مهم ودقيق لفهم أعمق، ومعالجة أنجع.

ثانيًا: من المهم لفهم الصحوة في السعودية، دراسة التحولات الفكرية عند سيد قطب والتي بدأت بالظهور منذ عام 1954، وتبلورت بشكل نهائي في عام 1961، حينما اقتنع بأفكار العنف، والتكفير، وجاهلية المجتمع، وتمكن قطب من وضع أساس البناء الثقافي الجديد للجماعة بمباركة حسن الهضيبي، والذي كلفه بقيادة الجماعة، وظهر ذلك المنهج جليًا في كتابه «معالم في الطريق»، وفي الطبعة الثالثة من كتابه «في ظلال القرآن» 1962، وهي أول طبعة يرد فيها الكلام حول نظرية الحاكمية، وبهذه الإرهاصات انطلقت في عام 1964 ما يمكن أن نطلق عليه النظرية القطبية، مع تحفظي على التفريق القائل بالبنائية والقطبية.

ثالثًا: من المهم الأخذ بعين الاعتبار أنه في عام 1984 تقريبًا، طرأ تغير جذري على العمل الحركي السروري، حيث انتقل محمد سرور من الكويت إلى بريطانيا في رحلة لا يُعلمُ هل سيكون معها صلة واتصال مع البُنى التنظيمية التي غرسها في مدن سعودية عدة؟ أم أن تلك البُنى التنظيمية يجب أن تتولى أمرها بالكامل؟ وهو ما تم بالفعل؛ ففي اجتماع خاص حضرته الرموز السرورية المنشقة عن مكتب الرياض الإخواني، تمت غربلة العمل ومراجعة المسيرة، وكان من نتائجها أن تم الاتفاق على تقليص التنظيم إلى أفراد قلائل، مع التركيز على خلق تيار عام وتكثيره وتكثيفه بأوسع جهد ممكن، عبر حزمة من الوسائل والجهود.

رابعًا: من المهم تركيز الدراسة على الفترة من 1987 وحتى 1994، والتي شكلت صياغة خطاب ديني سعودي ظاهر وعابر للحدود، اتخذ مسارًا مغايرًا للخطاب الديني السلفي الدارج، الذي يُصاغ بتناغم تام في المواقف والآراء مع السياسي، من قيام الدولة السعودية الأولى (1744) وحتى بداية الفترة المشار إليها (1987‏)، وهذا الخطاب الذي تم الاصطلاح على تسميته بالصحوة حوى عدة مظاهر وأدوات وآليات، وكذلك تمرحل في عدة مراحل حتى بعد التاريخ الذي عالجت فيه الدولة هذا الانشقاق الديني الشاذ بشكل عملي وحازم (1994)، وقام هذا الخطاب على قاعدة أساسية هي تنمية الحس المعرفي والنظري بمفهوم الحاكمية كما صاغها أبو الأعلى المودودي وسيد قطب، ولكن بشكل تنفيذي وعملي يعمد إلى الممارسة والحركة والتنفيذ، وإذا علمنا أن أشهر ثلاثة رموز صحوية يعتبرون من مدرستَين قامتا على فكر سيد قطب، وحاكمية المودودي، الأولى: مدرسة تنظيم 56، ومثّله في السعودية محمد قطب وتلميذه سفر الحوالي، والثانية: إخوان دمشق بقيادة عصام العطار وتلميذه منير الغضبان المباشر حركيًّا لمحمد سرور بن نايف زين العابدين، وأبرز تلاميذه ناصر العمر وسلمان العودة.

خامسًا: أربعة أحداث وقعت في الثمانينيات، ومطلع التسعينيات، كان لها أثر كبير في انتشار الصحوة:

الأول: ما سمي بانتفاضة الحجارة في فلسطين عام 1987.

الثاني: المعركة مع الحداثة التي انطلقت في أواخر 1987 تقريبًا، ودشنها سعيد الغامدي بشريطين سجلا في المنزل حول الحداثة، ثم كتاب عوض القرني الشهير: (الحداثة في ميزان الإسلام)، الذي صدر عام 1988.

الثالث: تحويل جهاز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى جهاز بوليسي، لتصبح الهيئات بالتدريج جهاز تحرٍ وتحقيق ومطاردات ومداهمات، وكانت التوجيهات والتأييد تأتيهم من الصحويين الحركيين، وبدأ هذا الفكر الجديد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينتشر ويتعاظم حتى اجتاح أنحاء المملكة.

الرابع: اجتياح القوات العراقية الغاشمة دولة الكويت في أغسطس 1990، وللحديث بقية.