الشريعة والقانون، والعقل والفطرة، كلها تدعو للصدع بالرأي كحرية تعبير، فضلاً عن أن يكون بالحق المعتقد صوابه.

وليست الآراء حسب ما يطلبه القراء، بل ما تراه، ولو لم يبلغه فهم البعض، وحتى لو ثبت خطؤه لاحقاً، ناهيك عن تحقق صوابه.

ومشكلة عالمنا العربي أن الغالبية يسهل تضليلهم بشعارات تتمسح بالدين، وأحياناً بالقومية، وربما بمزايدات وطنية.

والمفكر الصادق هو الذي يتجلى خارج الصندوق دون أن يستهدف المصفقين، ولا أن يراعي الغوغاء.

والقادة السياسيون والعلماء الشرعيون يقودون ولا ينقادون، حتى لو راعوا أحياناً العقول القاصرة ومهدوا لها.

ولذا رأينا خطابات سياسية تتاجر بالشعارات، في حين أن ما تقوله بلغات أخرى فضلاً عما تفعله خلف الكواليس مختلف تماماً.

والمعيار أن تكون حراً شجاعاً لا تتطلع لغير السماء، ولا تلتفت لمكاسب الأرض، بل العظماء هم الذين يشكرهم الناس بعد أن لعنوهم، وليس بأن يلعنوهم بعد أن شكروهم؛ حينما تكشفت الحقائق.

والذين يبنون المستقبل لا يلتفتون للجماهيرية الشعبوية، بل للمصالح العامة، ولو على حساب مصالحهم الخاصة.

ولذا كم رأيت من عالم يقول رأياً في مجلس خاص يشع بالنورانية، ثم تراه يخالفه حينما يخرج للناس ليتماهى مع الدهماء.

فكم صفق الناس للمجرمين وعظموهم، ثم لاحقاً تحلطموا من تلك الأعمار التي ضاعت في مخادعات لم يكسبوا فيها سوى ذلك الشعبوي الذي عاش مشكوراً منهم وهو يمارس خلافه.