ولأن المملكة واحدة من الدول التي تمتلك إمكانات مالية وبشرية هائلة، كان من الطبيعي أن تسير قيادتها السياسية في مسار يتسم بالتأكيد على ضرورة أن تكون المملكة شريكاً استراتيجياً للعالم، وأن تنتقل من مرحلة البناء الأساسي التي استمرت لعقود إلى مرحلة بناء منظومة اقتصادية ذات أبعاد فرضتها التحولات العالمية والإقليمية والتي أدت إلى بروز قوى اقتصادية جديدة في المنطقة وحول العالم، وهذا بدوره أتاح فرصة أمام المملكة لتكون شريكاً فاعلاً لتلك القوى، خاصةً أنها تمتلك القدرة على لعب دور مهم على صعيد جذب الاستثمارات ليس فقط لكونها تتوسط العالم وتشرف على مسارات تستحوذ على 10% من التجارة العالمية جنباً إلى جنب مع كل من الأردن ومصر، ولكن أيضاً لامتلاكها لسجل اقتصادي وأمني يضعها ضمن تصنيف الدول المستقرة والقادرة على توفير بيئة استثمارية خالية من المخاطر، وهي العوامل ذات التأثير الأهم على قرارات المستثمرين.
من ناحيةٍ أخرى، يبرز مشروع نيوم كواجهة أساسية لمستهدفات رؤية 2030، فهو لا يلبي فقط جانباً مهماً من تلك المستهدفات على صعيد بناء اقتصاد صناعي قائم على التقنية، وتمكين العقول السعودية المبتكرة جنباً إلى جنب مع العقول العالمية لإطلاق مرحلة يكون فيها الابتكار من أجل الإنسان غاية سامية متأصلة في ضمير ووعي المملكة قيادةً وشعباً، ولكنه أيضاً يجيب عن تساؤلات كان الجيل القادم ليطرحها لو أن المملكة لم تأخذ زمام المبادرة في توجهها نحو اللحاق بركب الثورة الصناعية الجديدة في العالم، ولئن كان العرب فيما مضى قد حرموا من أن يكونوا جزءاً من الثورة الصناعية الأولى لظروف سياسية خارجة عن إرادتهم، فإن الظروف اليوم تقدم للمملكة وللعرب وللعالم بأسره نافذة مشرعة للولوج إلى حيث تبتغي الإرادة، وإلى حيث يطمح الإنسان القادر على أخذ القرارات الحكيمة والشجاعة في الوقت المناسب.
نيوم هو باكورة عمل جاد يتسم بالشفافية والمصداقية في عرض ركائزه ومستهدفاته، وهو فرصة حقيقية للمملكة لتنتقل وبسرعة كبيرة من عهدٍ إلى آخر، ومن مرحلة إلى مرحلة، حيث بات العالم يدرك أن القيادة السياسية للمملكة تتحرك وفق رؤية وليس ارتجالاً، وبات التحديث الحقيقي في المملكة على بعد خطوات قليلة، بيد أبنائها وبناتها والذين يثبتون يوماً بعد يوم أنهم أهلٌ للمسؤولية.