إنصافا للذين تضرروا من الأحداث الإرهابية المختلفة وراحوا ضحايا لأحداث القتل والتفجير والترويع التي شهدتها معظم دول العالم خلال السنوات الماضية، وتكريما لذكراهم، تحتفل الأمم المتحدة يوم الجمعة 21 أغسطس باليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب. ويأتي الاحتفال الذي يقام للمرة الثالثة كمحاولة من المنظمة الدولية لتذكير العالم بالمخاطر الكبيرة التي تحملها آفة الإرهاب وما تسببه من حالة عدم استقرار وفقدان للأمن، وحثا للدول والمجتمعات على مواصلة التصدي لهذا الخطر الذي بات يهدد الوجود الإنساني على الأرض.

خلال العقود الثلاث الماضية لم تسلم دولة من دول العالم من الآثار السالبة لخطر الإرهاب والعنف، حيث اكتوت معظم الدول بنيرانه، وتعرضت لجحيمه، وتضررت اقتصاداتها ومجتمعاتها كثيرا، مما استدعى من العالم أجمع التصدي بشجاعة للكيانات المتطرفة، فتم تجييش القوات ورصد الميزانيات لأجل تحقيق تلك الغاية التي توحدت خلفها الأهداف واجتمعت الصفوف، ومع التباين في الأساليب والاختلاف في طرق التنفيذ، لكن ظل الهدف واحدا والغاية معروفة.

ورغم ما ذكرته آنفا من وقوع الضرر في معظم دول العالم، إلا أن هناك دولا بعينها تضررت أكثر من غيرها، وتعرضت مجتمعاتها للتفكك، لأن حظها السيئ جعل بلدانها ميدانا للحرب ضد الإرهاب. فدول مثل العراق وسورية وأفغانستان على سبيل المثال ابتليت بوجود مجاميع إرهابية بأعداد هائلة تتبع لتنظيمي داعش والقاعدة، حيث استغل الإرهابيون حالة الفراغ الأمني الذي تعيشه تلك الدول فجعلوا أجزاء كبيرة من أراضيها ملاذات آمنة لأتباعهم، ومنطلقا لعملياتهم، بل بلغ بهم الحال الدخول في حروب معلنة مع حكومات تلك الدول فأنهكوها وأضاعوا مقدراتها واستولوا على ثرواتها، مما انعكس سلبا على سكانها ومواطنيها، فوقع الآلاف ضحايا لتلك المواجهات.

الشريحة الأكثر تضررا من تلك العمليات هي الأطفال والنساء، حيث إن أعدادا كبيرة منهم وجدوا أنفسهم فجأة بلا عائل ولا مصدر دخل، فتفرقت العائلات، وانقطع الأطفال عن الذهاب للمدارس بسبب الأحداث الأمنية، فأصبح هؤلاء أمام مستقبل مظلم ومصير مجهول. أولئك الأطفال الذين تقدر الأمم المتحدة أعدادهم ببضعة ملايين من المرجح أن يصبحوا بدورهم وقودا لعمليات إرهابية في المستقبل، لأنهم أصبحوا هدفا سهلا لكيانات التطرف والعنف التي يمكن أن تستقطبهم في صفوفها.

بالتالي فإن إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال تبقى هدفا إستراتيجيا لا مناص من القيام به إذا أراد العالم وضع حد لآفة العنف. أولى عمليات التأهيل ينبغي أن تكون بخضوع الأطفال والشباب إلى علاج نفسي لتخليصهم من الآثار المدمرة لمشاهد العنف والدمار التي رأوها بأعينهم، ومن ثم إلحاقهم بصفوفهم الدراسية التي فاتتهم، أو إكسابهم مهنا تدر عليهم دخلا يضمن لهم سبل العيش الكريم.

المؤسف أنه رغم إبداء معظم دول العالم ومؤسساته الدولية للتعاطف مع الأطفال وذوي ضحايا الإرهاب، إلا أن ذلك التعاطف لم يتجاوز مرحلة الحديث والمؤتمرات التي تلقى فيها الخطب الرنانة، ولم يتحول إلى فعل حقيقي، ولم نشهد تحركا فعليا على أرض الواقع. ولأن هناك من الدول ما يمتلك إمكانيات مادية وبشرية تمكنها من القيام بهذه المهمة، فإن الحاجة تبدو ماسة للقيام بهذا الدور على وجه السرعة، حتى نضمن تجفيف منابع الإرهاب، وعدم وقوع أبرياء جدد، على أن يتم الإيفاء بالاحتياجات الضرورية لمعافاة الضحايا بصورة كاملة، ومن ثم يتم إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، على أن تشمل عملية إعادة التأهيل الدعم البدني والنفسي والاجتماعي والمالي ليعودوا أفرادا صالحين في المجتمع.

المتابع للتجربة السعودية في هذا الصدد يجد أنها اتسمت بالشمولية وبعد النظر ورجاحة التفكير، فالجهات المسؤولة أبدت منذ ظهور هذه المشكلة اهتماما كبيرا بضحايا الأعمال التفجيرية من المواطنين والمقيمين، وقدمت لهم الدعم النفسي الذي يعينهم على تجاوز الآثار الجانبية السيئة للتجارب القاسية التي مروا بها، وسارعت إلى تعويضهم ماديا بالقدر الذي يعينهم على مقابلة متطلبات الحياة، ليس ذلك فحسب بل امتد الدعم ليشمل الجانب الاجتماعي حيث صدرت التعليمات الواضحة للأجهزة المختصة بمراعاة ظروف أولئك الضحايا، وتقديم العون لهم ومنحهم الأولوية على من سواهم في كثير من المعاملات الحكومية.

لم يقتصر الاهتمام السعودي على الضحايا الأبرياء للإرهاب، بل أبدت المملكة اهتماما كبيرا بالذين غررت بهم مجاميع الإرهاب من الشباب القاصرين وقليلي العلم الشرعي، الذين لم تتلطخ أياديهم بدماء الأبرياء ولم يتورطوا في أعمال ميدانية، فأقامت لهم مراكز المناصحة لتخليصهم من الأفكار الهدامة والمعلومات المغلوطة، وأعادت الآلاف منهم إلى جادة الطريق بعد أن وفرت العلماء الشرعيين والأطباء النفسيين وأخصائيي علم الاجتماع، في تجربة فريدة أشادت بها دول العالم أجمع.

إنجاز المهمة يتطلب أيضا عدم الاستعجال في إعلان نهاية الإرهاب، ودحر التنظيمات الظلامية، وحل المشكلات التي ظلت توفر ذريعة للمتطرفين لتجنيد الأتباع، وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس الشريف، لنحرم أتباع الشيطان ودعاة التطرف من مبررات الوجود.

اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وتكريم عائلاتهم ينبغي أن يتحول إلى مناسبة للتذكير بضرورة عدم إفلات الجناة من العقاب، حتى وإن طالت السنين، لأن الجرائم المرتبطة بالحق الخاص لا تسقط بالتقادم. كذلك فإن المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مطالبة باتخاذ إجراءات أشد صرامة في مواجهة الدول الداعمة للإرهاب، والتي فتحت أراضيها للمتطرفين، ووفرت لهم الملاذات الآمنة، بينما تتظاهر - في رحلة البحث عن أدوار أكبر منها وأعمق من تاريخها - بمحاربة الإرهاب، فهذه الدول يجب أن تتعرض للمحاسبة والمساءلة، لأن استقرار العالم وأمانه لا ينبغي أن يستخدم كورقة للمساومات السياسية أو الموازنات الاقتصادية، وأرواح الناس أكبر من ذلك وأكثر قيمة.