الإعلام يربي ويثقف الشعوب وليس سلعة تروج كما يريد الآخرون. مادته تثقيف وإبلاغ وتعليم وإعلام، أهداف تُدرس فقط في كليات الإعلام، لكنها لم تعد موجودة هذه الأيام على أرض الواقع، القنوات أصبحت أبواقاً لكل من يملكها، وليست هادفة إلى الارتقاء بالذوق العام الإعلامي. كان سابقاً مثلاً أعلى، أما الآن فالكل يعرف أنه مروج أفكار وبائع كلمات ومقلب مشاكل وفتن، من أجل إيجاد سبب للربح وجني المال، والتنقل من قناة إلى أخرى، ومن جريدة إلى أخرى.

كان عندما يطل علينا قراء النشرات فقط بأناقتهم ولغتهم العربية الصحيحة، يشعر كل منا وهو طفل أن هذا هو مثله الأعلى، وعندما كانوا يسألوننا عما نحب أن نكون عندما نكبر نقول مذيع نشرة، ناهيك عن البرامج الأخرى التي كانت تقدم باحترافية واحترام، وأناقة في استعراض الأفكار والموضوعات.

كنا نشعر بالفعل أننا في مجتمع متحضر راق. أما الآن فاختلط الحابل بالنابل كما يريد صاحب القناة، يفعل المذيع غير المؤهل لهذه المهنة والتي اتخذها سببا للقمة عيش كما يعترفون هم، وبين يوم وليلة أصبح الإعلام والتثقيف منحصرا في برامج الطبخ والتوك شو وبطريقة فجة وعشوائية.

أصبحنا يوميا نستمع لوصلات من تبادل السباب بين مذيعي القنوات المختلفين، إما على موقف سياسي أو حدث فني أو اجتماعي لا يهم إلا أصحابه، غير مؤثر بأي حال من الأحوال في حياة المواطن العادي البسيط. نفرض عليه موضوعات شخصية، وملفات من داخل الأسر التي لا تمثله ولا تعبر عنه، وقضايا بالغة السخف والمسخ، لا يستحقها بعد يوم طويل من العناء في العمل وزحام السير والمواصلات ومسؤوليات الأبناء والأسرة.

راقصة أو مطربة أو ممثلة لا تجد دورا فتحصل على برنامج تلفزيوني تطل منه، وتتحدث في أمور المجتمع كافة، تعلم عنها أم لا، لا يهم، المهم أنها تملأ وقت البرنامج، وتساعد في جلب إعلانات تضمن لها استمرارها وبقائها، دون احترافية ولا دراسة، ساعة أو أكثر على إحدى القنوات.

اسمعونا ما كنا نظن في يوم من الأيام أن لن نسمعه، ويدخل بيوتنا من ألفاظ وتعليقات تعدت حواجز اللياقة والحياء.

اللغة الراقية يفهمها العامة وذوو المؤهلات الجامعية العليا، لغة الأدب والحوار المتحضر نفهمها جميعا، وليس كما يقولون إنهم يخاطبون رجل الشارع الذي يتاجرون به ويتهمونه بأنه يريد ذلك. الانحدار في الذوق العام سببه هذه الفئة غير المؤهلة.

مجتمعاتنا مليئة بخريجي كليات الإعلام المتخصصة، والذين تتلمذوا على أيدي خيرة أساتذة الإعلام وعلوم الاتصال، هم بحاجة لفتح مجال كي يبرزوا مواهبهم ويخرجوا طاقات الشباب المتجددة.

لا بد من الالتفات لهم إن كنا نريد تحولاً حقيقياً، وتقدماً فعلياً، لا يقوم إلا على رقي الذوق وانتقاء الكلمات، وإفشاء روح النقاش الهادئ الهادف.