الأسبوع الماضي، كانت وكالة بلديات منطقة الرياض تعمل على قدم وساق مع بلديات محافظات المنطقة، لنشر مبادرة مشاريع بلا تعثر. والتي تهدف لوضع الحلول للمشاريع المتعثرة، والتأكد من ضمان الإنجاز بالوقت المحدد.

في نفس الوقت الذي أقرأ فيه هذا الخبر، كنت أتعامل مباشرة مع بلدية محافظة الخرج. وفي أول دخول لي للمبنى الضخم الذي افتتح العام الماضي، تذكرت ذاك المسؤول الذي سرّح الموظفين (وطلاب المدارس المحيطة بالمبنى) في يوم الافتتاح، كما يوضحه المقطع المنشور وقتها. هذه الحكاية حفزت بداخلي المراقب الإداري للتغيرات الفكرية في نمط الإدارة الحكومية للوزارة خلال العام المنصرم، وضعت البلدية كنموذج، وقلت في نفسي، سأركز بشكل كبير على مراقبة سلوكيات التغيير، ونتائج الأعمال المترتبة عليها، خصوصاً لدى مديري الإدارات الوسطى.

حرصت في بداية تعاملي مع البلدية على أن أتخذ الإجراءات الإلكترونية التحولية في نمط العمل البلدي. رفعت الطلب عبر تطبيق (أمانة 940) وبمجرد استلامه، ووقوف الموظف على الموضوع على أرض الواقع، تم تحويل المعاملة إلى إدارة متخصصة بالنظافة، (راقب هنا: خروج من نظام إلكتروني وعودة لنظام ورقي/‏ الإدارة القديمة تحضر) بعد مراجعتي للإدارة، لاحظت تواجد عدد كاف من الموظفين رغم الجائحة (أمر رائع)، فتم إفهامي بطريقة مهذبة جداً بأن الإجراء المتخذ في مثل هذه المواضيع، أن يتم تحويلها بمعاملات ورقية إلى إدارة رقابية متخصصة.

في حديثي مع المسؤول عن الرقابة (أخرج مراقبين اثنين منفصلين/‏ هدر للجهد والوقت)، الذي حاول بشتى الطرق أن يحمّلني المشكلة، ومع كل تفنيدة مني لكل حجة من حججه، يزداد شراسة وحدّة في الاختلاف. ومن أجل أن أصل إلى حل تفاوضي معه، سألته: متى ستتم إجراءاتكم على هذا الموضوع. أجابني بإجابة مفتوحة، قال إنه لا يعلم (ممكن أسبوع، أسبوعين، ممكن سنة، أو سنتين).

هذا النموذج العملي البسيط، في اعتقادي، أنه يعطي لمحة شمولية، بأنه مهما حاول الوزير وفريق عمله النشيط في تغيير ثقافة العمل الإداري في البلديات، فإنه لن يستطيع ما دام مثل هؤلاء المسؤولين المعتنقين للأفكار القديمة، هم من يسير دفة العمل داخل الوزارة وبلدياتها.

أضف لذلك أن النموذج والأسلوب العملي الذي تقوم عليه البلديات، لا زال نموذجاً تقليدياً بحتاً. وندرك نحن كمراقبين، كما يدرك المواطنون كافة، أن التغييرات التي طالت البلديات مجرد تغييرات شكلية، وليست جوهرية. قارن عزيزي القارئ التغيير في البلديات (إن كان هناك تغيير) بالتغيير الذي حدث مثلاً في الأحوال المدنية وفي نماذج أعمالها، والتي سعت في تحولها إلى اعتمادها لأفكار إعادة الاختراع الحكومي، لتصبح نموذجاً بارزاً من النماذج الرائعة في المملكة.

كتبت سابقاً عن مفهوم إعادة اختراع الحكومة، وببساطة، أستطيع أن ألخصه في أمرين: الأول؛ يتمثل في سعي الجهة الحكومية لممارسة الأدوار الإصلاحية في داخل أجهزتها وأذرعها. والثاني؛ أن تقلص الجهة أعمالها ليحل مكانها القطاع الخاص. أو يتم ممارسة هذين الدورين، وذلك من أجل رفع كفاءة التشغيل، وكذلك التخلص من الإشكالات المصاحبة للترهل الحكومي.

مشكلة وزارة الشؤون البلدية والقروية في ظني، أنها لا زالت بعيدة كل البعد عن إعادة تنظيم نماذجها العملية في داخل منظماتها وبنيتها العملية. وهنا تكمن لبّ المشكلة.

ومع ذلك، تبقى بعض إدارات البلديات مدهشة من ناحية الديناميكية المتسارعة في تفاعلها مع الجمهور والعملاء. إدارات النظافة تحتمل جزءا كبيرا من النجاح، في مسحها الدائم والمستمر لمدننا الناشطة بالعمران والتنمية. هذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها، فجهودهم تساهم بشكل رئيسي في جودة الحياة واستمراريتها بالشكل الأمثل.

مع خروجي من المبنى، وأنا أشاهده بروعته وضخامته، والذي يعتبر تحفة معمارية في المنطقة، تذكرت حديث الأمير فيصل بن بندر لذلك المسؤول الذي طرد الموظفين (ما نبي نشوف الحجر، نبي نشوف البشر).

النموذج والأسلوب العملي الذي تقوم عليه البلديات، لا زال تقليدياً بحتاً. ويدرك المواطنون كافة، أن التغييرات التي طالت البلديات مجرد تغييرات شكلية وليست جوهرية