هناك خصال وسمات شخصية تميز كل فرد، وتجعل لكل إنسان ما يفضله من أنواع الفنون والأدب والموسيقى، فالذائقة الأدبية تختلف من شخص لآخر. وبالنظر تحديدا إلى الموسيقى فإنه من المعلوم أنه مع هذه الخصال والسمات الشخصية هناك بُعد آخر يؤثر في الذائقة الفنية، ألا وهو الحالة الذهنية. حيث إنه وكما للسمات الشخصية أثر في الذائقة الفنية للشخص، إلا أن للحالة الذهنية أو المزاجية أثر أيضاً في اختيار الموسيقى التي يرغب المرء في الاستماع لها الآن.

مع أن الاستماع إلى الموسيقى واختيار الأغنية المناسبة هو أمر شخصي يختلف فيه المرء عن الآخرين، ولكنه إذا تشابهت السمات الشخصية والحالة المزاجية لشخصين، ترتفع احتمالية الرغبة لكليهما في الاستماع إلى الموسيقى نفسها، أو على الأقل هذا ما تشير إليه كثير من الأبحاث الأكاديمية.

العثور على الأغنية التي سيرغب المستمع في الانتقال لها على التوالي أو ما يسمى بـ(التوصيات الموسيقية) هو مسار بحث تطرقت له مجالات علمية مختلفة، ولكن يبدو أن للذكاء الاصطناعي وجهة نظر في هذا الموضوع أيضاً، حيث إن الدكتورة إيفا زانقرل (Eva Zangerle) من جامعة إنسبرك النمساوية (University of Innsbruck) وجدت أن هناك بُعدا ثالثا لمعادلة تشابه الذائقة الأدبية، فقد أشارت أبحاثها إلى أنه إذا تباينت الخلفية الثقافية للمستمعين فإن الموسيقى التي سيرغبون في الاستماع لها ستختلف، حتى ولو تشابهت صفاتهم الشخصية وحالتهم المزاجية.

قامت الدكتورة إيفا ببناء نظام يقترح على المستخدم مجموعة من الأغاني للاستماع لها، ثم قامت بقياس المؤشرات التي يتشارك المستخدمون فيها، وبالفعل تم ملاحظة أن السمات الشخصية للأفراد تعني تشابه اختيارهم للموسيقي الموصى بالاستماع لها، وتزيد احتمالية اختيارهم لذات الموسيقى للاستماع إذا تشابهت الحالة الذهنية لهم، ولكن ككثير من أنظمة الذكاء الاصطناعي هناك دائما استثناءات، وهذا قاد الفريق البحثي إلى النظر إلى الحالة أو الخلفية الاجتماعية-الاقتصادية للمجتمع أو الفرد، وكان ما تم اكتشافه أن لهذا الأمر تأثيرا كبيرا على اختيارات المستخدم للموسيقى الموصى بها. استطاع الذكاء الاصطناعي أن يبين أن الحالة الاجتماعية-الاقتصادية للفرد أو المجتمع تتدخل في تحديد ماذا يرغب المستخدم في أن يستمع إليه.

مثل هذا الاكتشاف له أثر في تغيير مسار بعض الأبحاث في مجال التوصيات الموسيقية. لربما كان الهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي البحث عن أفضل طريقة لاقتراح الموسيقى المناسبة للمستخدم، ولكن بقصد أو بدون قصد، استطاع الذكاء الاصطناعي إيجاد بُعد جديد لتحديد الذائقة الفنية والأدبية للمستمع. لطالما كان البشر مولعين بالاستكشاف والبحث في المجهول عن صدفة جميلة، ومن الجميل أن يتمكن الحاسب من ذلك أيضاً.