في أوقات الأزمات الاقتصادية، تنخفض ميزانية الإنفاق وفقاً لقوة أو ضعف الأزمة، ولا شك أن الأزمة الاقتصادية العالمية الأحدث التي ضربت أسواق العالم في عام 2008 كان لها بالغ الأثر على الاستهلاك الفردي، ولا تزال آثارها السلبية على الإنفاق ماثلة أمامنا حتى اليوم، وعلى الرغم من مرور عشر سنوات على اندلاعها، ففي الصين على سبيل المثال، انخفض مؤشر ثقة المستهلك من 94.5 % في مارس 2008 إلى 86 % في مارس 2009.

والعادات الاستهلاكية تعني عدد مرات تكرار الشراء، ولهذا فإن أكبر المتأثرين سلباً بالأزمات الاقتصادية هم أصحاب المؤسسات التي تحظى بسمة تكرار تردد المستهلك عليها، ويستثنى من ذلك إلى حدٍ ما المحال التي تبيع المنتجات الأساسية التي لا غنى عنها كمنتجات الطعام بمختلف أنواعها، مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن كثيرا من المستهلكين في أوقات الأزمات يميلون إلى تقليص مشترياتهم من المواد الغذائية غير الأساسية. أما المؤسسات التجارية التي تقوم في الأساس على بيع المنتجات الثانوية، فهي الأكثر تضرراً، ومثال ذلك منتجات المواد غير الضرورية للاستهلاك اليومي العام.

وفي ذات الوقت يقل الإقبال على المنتجات في قطاع الترفيه والتسلية، ويؤجل كثير من المستهلكين اتخاذ قرار بشراء سلع غالية الثمن، ويصبحون أكثر عقلانية وحساسية للسعر. وللأزمات الاقتصادية أيضاً تبعات أخرى في صالح المستهلك، إذ إنها تشيع ثقافة استهلاكية جديدة قد تتحول فيما بعد إلى عادة استهلاكية راسخة لدى بعض المستهلكين، فحتى بعد زوال الأزمة الاقتصادية، قد تترسخ ممارسات وقت الأزمة في السلوك الاستهلاكي عند بعض الأفراد، بالإضافة إلى أن بعض الأفراد يستفيدون من عادات الأزمة في تعزيز اهتمامهم بالجودة وملاءمة السعر، ما يقلص من عدد المستهلكين الذين لطالما كانوا يقعون فريسة مصنّعين يطلقون منتجات منخفضة الجودة بأسعار منتجات عالية الجودة.

وقد ساعدت الأزمة الاقتصادية العالمية التي هزت الأسواق العالمية عام 2008 في رواج البيع بالتجزئة على المواقع الإلكترونية، حيث أدى عزوف قطاعات واسعة من المستهلكين عن النزول إلى الأسواق إلى رواج فكرة نقل الأسواق إلى بيوت المستهلكين، فعندما قرر المستهلكون وخاصةً في أوج الأزمة الدخول في قطيعة مع المحال والمتاجر، التقط بعض الأفراد فكرة الذهاب إلى المستهلكين، فتطورت مواقع البيع الإلكترونية، وراجت مبيعاتها وتضخمت، ووفر هذا الأمر في ذات الوقت فرصة جديدة للمستهلك لكي لا يتعجل في شراء سلعة ما، وأعطته تلك المواقع فرصة مفتوحة لاتخاذ قرار الشراء وقتما يشاء بعيداً عن ضغوط الشراء التقليدي.

تعمل الأزمات الاقتصادية على تغيّر المزاج الاستهلاكي العام، وتقلص من شراء المستهلكين للمنتجات غير الأساسية، ولكن مصنعي المنتجات غير الأساسية استطاعوا بفضل التقنية الحديثة ملاحقة المستهلك حتى مخدعه، وأصبحوا من جديد قادرين على البقاء في السوق، بتكلفة أقل من السابق، فاستفادوا من الأزمة من خلال تطبيق أفكار ملهمة وجديدة.

ومع ذلك فإن تأثيرات الأزمات الاقتصادية على المستهلك لا يمكن أن تكون بذات الحدة بعد مرور وقت لا بأس به على اندلاعها، فالعادات الاستهلاكية للأفراد تعود إلى طبيعتها إما بشكل جزئي أو كلي بعد شعور المستهلكين بالأمان وبأن الأسواق عادت إلى طبيعتها.

ولا شك بأن أولئك الذين يفقدون مصادر دخلهم في أوقات الأزمات الاقتصادية سيظلون هم الأكثر تأثراً وتأثيراً على قطاع الاستهلاك أثناء وبعد فترة الأزمة. ويتضرر الاقتصاد المحلي من العزوف التام لهذه الفئة عن شراء المنتجات، ويفقد جزءاً من القوة الشرائية له كسوق، ولا يصبح هناك بد للمصنعين وأصحاب الأعمال، من البحث عن طرق جديدة للاستفادة من المستهلكين الذين نجوا من عاصفة الأزمة ومن تبعاتها الأشد وهي فقدان مصدر الدخل.