الآيات القرآنية والنظريات العلمية.

يورد مؤلف كتاب «العقل المؤمن /‏ العقل الملحد» الدكتور عبدالله الغذامي في صفحة 65 الآية الكريمة «أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما».. الآية (الأنبياء: 30) ويفسر د. الغذامي الآية الكريمة حرفيا بقوله «وهي تصف حال الانفجار الذي جعل الكون يتحول من كتلة صلبة مغلقة فتنفجر ليشرع الكون بالتمدد إلى ما لا نهاية، تبعا لقوة الانفجار حسب منطق الآية (من الرتق إلى الفتق)». ويقول أيضا في الصفحة نفسها «ولدينا آية نزول الحديد ونزوله الشديد (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) (الحديد:25)». نظرية الانفجار الكبير لا تقول بأن الكون كان «كتلة صلبة مغلقة»، إنما (كان العالم محصورا في نقطة مفردة حجمها صفر..) فيزيائيا بمعنى متناهية الصغر، (المصدر كتاب: ستيفن هوكينج وليونرد ملوندينوف،«تاريخ أكثر إيجازا للزمن»، فصل، الانفجار الكبير والثقوب السوداء وتطور العالم صفحة 76، الطبعة الأولى 2007 دار العين للنشر– القاهرة).

وبالرجوع إلى تفسير الطبري «كانتا رتقا»..ليس فيهما ثقب، بل كانتا ملتصقتين «ففتقناهما»..يقول فصدعناهما وفرجناهما. وتفسير ابن كثير «كانتا رتقا..» أي كان الجميع متصلا بعضه ببعض متلاصقا متراكما بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه من هذه فجعل السماوات سبعا والأرض سبعا، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض. وفي تفسير الجلالين «أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما»..جعلنا السماء سبعا والأرض من سبع، أو فتق السماء إن كانت لا تمطر فأمطرت، وفتق الأرض إن كانت لا تنبت فأنبتت. وفي تفسير القرطبي «قال ابن عباس والحسن وعطاء والضحاك وقتادة: يعني أنها كانت شيئا واحدا ملتزقتين ففصل الله بينهما بالهواء».

هذه التفاسير للآية واضحة وإنها لا تقول بالانفجار الذي جعل الكون يتحول من كتلة صلبة مغلقة فتنفجر ليشرع الكون بالتمدد إلى ما لا نهاية كما قال الغذامي. إن التفاسير تشير إلى السموات السبع والأراضين وإن الهواء هو سبب الانفصال وليس الانفجار. وليس الكون الهائل بمجراته العددية الهائلة كما تقول به نظرية الانفجار العظيم بعد حدوث الانفجار. بدأ الكون في التكون منذ 13.7 مليار عام. ويقدر العلماء أن عمر المجموعة الشمسية والتي تتكون من الشمس وجميع ما يدور حولها من أجرام بما في ذلك الأرض التي نحن عليها والكواكب الأخرى بـ4.6 مليارات سنة، وهنا نجد الفارق الزمني كبير جدا بينها وبين تاريخ نشأة الكون بـ9.1 مليارات سنة. (مصدر: النظام الشمسي: مقدمة – أجرامه – تكونه – الأنظمة الشمسية الأخرى، من وكالة الفضاء ناسا، 22 مارس 2020م على موقع واي باك مشين).

إن المتعمق في دراسة نظرية الانفجار والتسلسل للأحداث ونشوء مكونات الكون الأولى والفترات الزمنية السحيقة التي مرت حتى نشأ الكون بما نعرفه وكيف توصل العلماء إلى كل ذلك مختلف عن التفسير وما يعتقده المؤلف. هناك عدد من المراجع منها: (المرجع: Mukhanov, V:»Physical Foundations of Cosmology«،Cambridge 2005)

هذا من زاوية، أما من الزاوية الأخرى وهي غاية في الأهمية، فهي أنه يتحوط كثير من العلماء وطلاب العلم بجعل الآيات القرآنية كنص مقدس تفسر المنجزات البشرية «النظريات والاكتشافات العلمية» القابلة للتغير والتطوير مع مرور الزمن، وهذه طبيعة العلم. يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (تفسير القرآن بالنظريات العلمية له خطورته، وذلك إننا إذا فسرنا القرآن بتلك النظريات ثم جاءت نظريات أخرى بخلافها فمقتضى ذلك أن القرآن صار غير صحيح..)، وكذلك يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان (لا يجوز تفسير القرآن بمثل هذه النظريات والأفكار لأنها تتغير وتتناقض ويكذب بعضها بعضا، والقرآن حق ومعانيه حق لا تناقض فيه، ولا تغير في معانيه مع مرور الزمن) (المرجع: حكم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم - ajurry.com).

فكيف لو أن أحدهم فسر الآية الكريمة (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) (مريم: 25) أنها تعني نظرية الجاذبية عند نيوتن بالقياس، لأن نيوتن اكتشف الجاذبية من سقوط التفاحة كما تقول (الأسطورة). علما أنه في مدة 300 عام تقريبا، نظرية الجاذبية عند نيوتن (1678) والمبنية على تجاذب الكتل هي غير ما جاء به أينشتاين عن الجاذبية الكونية في عام (1915) في نظريته النسبية العامة، والتي تعني تحدب الزمان والمكان، الزمكان (space-time) وهي تحدد كيف أن الطاقة والمادة تتسببان في انحناء نسيج الزمكان وهذا النسيج المنحني يحدد حركة الأجسام الموجودة عليه. (يوسف البناي، الدقيقة الثالثة للخلق، مدخل إلى نظرية الانفجار العظيم، صفحة 48، الطبعة الثانية 2019، دار كلمات للنشر والتوزيع، دولة الكويت) و(كتاب: ستيفن هوكينج وليونرد ملوندينوف، تاريخ أكثر إيجازا للزمن، صفحة 47، الطبعة الأولى 2007 دار العين للنشر– القاهرة). والجاذبية عند أينشتاين ومفاهيم نظرية ميكانيكا الكم من خلالها توصل العالم هوكينج وغيره في تفسيراتهم لنشأة الكون. مع ملاحظة أن المؤلف الغذامي في حديثه عن الجاذبية (ص 37 وص 119) ذهب لمفهوم الجاذبية القديم عند نيوتن والذي نقضه أينشتاين. وقد يعذر المؤلف بحجة أن هذه العلوم ليست مجال تخصصه، لكن من الناحية العلمية الاستدلال بها غير صحيح. فما موقف هذا المفسر أو ذاك للآية القرآنية من نظرية أينشتاين الحديثة والتي غيرت مفهوم نظرية الجاذبية عند نيوتن؟ هنا تكمن الخطورة. قرآننا الكريم ليس كتاب رياضيات ولا فيزياء ولا جيولوجيا أو أحياء. أي نعم هناك بعض الإشارات لكن لا يقطع بأنها تفسر نظريات أو اكتشافات علمية بشرية بعينها، فالإنجاز العلمي البشري معرض للتطوير والتغير.

الخاتمة:

لا شك أن المؤلف بذل جهدا في تأليف الكتاب وأظهر درجة ملحوظة من الحماس والعاطفة الدينية. كثير من علماء الطبيعة والفلاسفة في العالم يغلبون المفاهيم المادية على جوانب الإيمان بالغيب، وليس من السهل تغيير أفكارهم وقناعاتهم. كلنا مسلمون نؤمن بالله خالق ومدبر كل شيء وبأركان الإيمان، وندعو الله أن يظهر منا علماء كبارا يسجل لهم التاريخ منجزات تنفع البشرية قاطبة كالعالم المؤمن الباكستاني محمد عبدالسلام الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء الكمومية (Quantum Physics ) عام 1979. والعالم المؤمن المصري أحمد حسن زويل الحائز جائزة نوبل في الكيمياء لاختراعه كاميرا لتحليل الطيف بسرعة الفيمتوثانية Femtosecond Spectroscopy عام 1999.

قرآننا الكريم ليس كتاب رياضيات ولا فيزياء ولا جيولوجيا أو أحياء، فالإنجاز العلمي معرض للتطوير والتغير.