لا نستطيع أن ننكر جهود وزارة التعليم الكبيرة والمكثفة في محاولة احتواء العملية التعليمية، بأفضل ما تتيحه إمكاناتها وجهودها المسخرة لخدمة التعليم في ظل كورونا، وفي خدمة المتعلمين بمختلف مستوياتهم، وبما تتضمنه العملية التعليمية من شركاء مجتمع ومسؤولين أساسيين عن تنفيذ العملية التعليمية بأسلوبها المتبع بـ «التعليم عن بعد».

بالتأكيد إن للتعليم عن بُعد تقنياته وآلياته التي لا تحتاج فقط إلى تجهيز وإعداد العملية بحذاقة ومرونة من مركز الإرسال الرئيس وهو «منصة مدرستي»، وإنما تحتاج قبل ذلك إلى استيعاب نوع ومستوى المتلقين المستهدفين، علاوة على إدراك مستوى إمكاناتهم المادية والمعرفية، وما يجدونه من خدمات البنية التحتية لنقل ما تحمله التقنية وما تقدمه الاتصالات المتاحة في منطقتهم.

تسويق المنتج شائعة في معظم العمليات التجارية، بما تتبناه من أساليب وطرق متعددة للوصول إلى الشريحة المستهدفة من ذلك المنتج أياً كان نوعه، سواء من خلال الإعلانات أو الوصول إلى المستفيدين بأساليب تقليدية أو تقنية، لتضمن نجاح رسالتها الترويجية وتكفل بيع سلعتها سواء أكانت مادية أو فكرية أو غيره، فمقياس النجاح والجودة في الأداء هو الوصول إلى أكبر قدر من المستهدفين، ويكون تقييم درجة فائدته بما يحققه المنتج من نتائج إيجابية عند أكبر شريحة من المستهدفين.

عندما يكون المنتَج هو العملية التعليمية، وعندما يكون المنتِج جهة حكومية مسؤولة عن جودة العملية جميعها، فإن مقياس الجودة فيه، هو الوصول بنجاح إلى الشريحة المستهدفة جميعها وليس بعضها أو حتى غالبها، لأن التعليم ليس مشروعا تجاريا أو مبادرة استثمارية في سلعة مادية، إنما هو مشروع تنموي يستهدف موارد بشرية تشمل الأفراد جميعهم في مختلف المستويات الدراسية وليس بعضها، وعليه فإن مخاطبة هذا الجمع الكبير من المستفيدين والذين يصل عددهم إلى نحو ستة ملايين طالب في التعليم العام، تقتضي مخاطبتهم بما يفهمونه من أساليب وطرق تحتوي الجميع، وذلك يتطلب استيعاب أفضل السبل للوصول إليهم في ظل إمكاناتهم المتاحة جميعها وليس بعضها، لأن إغفال بعض الممكنات لدى البعض، يعني حرمانهم من العملية برمتها، وذلك بالطبع يعني فاقدا في التعليم، وهدرا لجهود وموارد لم يتم توجيهها بالشكل الصحيح.

من ممكنات النجاح في أي مشروع أو مبادرة أو استثمار تنموي أو تجاري، أن تخاطب الفئة المستهدفة بما يفهمونه هم وليس أنت، وأن تجذبهم بما يستهويهم ويؤثر فيهم، وأن تتمكن من استقطابهم نحوك بما يناسب إمكاناتهم وقدراتهم التي لا بد وأن تكون قد احتويتها عند إعداد مشروعك، بحيث يستوعب جميع الاختلافات بين المستفيدين من المشروع.

ولضمان تغطية المشروع أو البرنامج المنفذ لأهدافه المقصودة، لا بد وأن يأخذ في الاعتبار بأن الفئات المستهدفة لا تتساوى في معارفها وإمكاناتها، وعليه فإن الأخذ بأدنى التوقعات المتوفرة في الإمكانات والقدرات لدى الفئة المستهدفة؛ هو صمام الأمان لنجاح مشروعك في تحقيق أهدافه، وإلا فإن الهدر المادي والبشري سيكون من نصيب المشروع دون تحقيق فائدته المرجوة.

ولأن التعليم عن بُعد يعتمد على التقنية والإنترنت، فإن الاستناد إلى «قاعدة» سرعة وسهولة الاستخدام والوصول عبر التقنيات المتاحة، يُعد خطأ في حد ذاته لأن التقنية بطبيعتها عملية معقدة، وإن كانت تخدم الكثير من أعمالنا، إلا أن استخدامها يحتاج لمعرفة أولوياتها ومبادئها وآلية التعامل معها، كما يحتاج إلى توفير أدواتها وممكناتها، ناهيك عن الاهتمام بتوفير أفضل السبل للوصول إلى المُنتَج بمرونة ويسر لجميع المستهدفين.

على الرغم من جهود وزارة التعليم المقدّرة في محاولة احتواء تبعات كورونا، بجميع ما تتطلبه العملية التعليمية من برامج وسياسات تطويرية، فإن وجود ثغرات في تنفيذ بعض السياسات بإجراءات غير سلسة أو معقدة إلى حد ما، يُضعف من مردود الإنجاز المتوقع لتلك الجهود ويقلل من فائدتها المرجوة.

ندرك أن تنفيذ العملية بصورتها الحالية عبر «منصة مدرستي» استهلك الكثير من الجهود والمتابعات، ولكن لم يلامس حقيقةً واقع المجتمع وحاجاته، بمعنى أنه لم يستوعب في خطته التنفيذية تلك الاختلافات الكبيرة بين الشرائح المستهدفة سواء في القدرات والإمكانات المتاحة، أو في قدرة نظامه التقني على اختزال خطوات الوصول إلى «منصة مدرستي»، ولذلك لم تكن النتائج إيجابية بحجم الجهود المبذولة أو الآمال المرتقبة.

بمتابعة الكثير من ردود الأفعال لفئات المجتمع مع «منصة مدرستي» يتضح أنها تحتاج إلى تطوير إدارة النظام التقني للتعليم، ليكون أكثر سهولة ومرونة في استخدامه، وقادرا على استيعاب جميع المستهدفين، مع الأخذ في الاعتبار بأن محدودي القدرات والإمكانات هم الغالبية؛ ولذلك فإن الإشكالية تستحق أن تخصص لها قناة تلفزيونية باسم «منصة مدرستي»، بحيث تعرض القناة يومياً وعلى مدار الساعة، آلية التعامل مع المنصة بشكل عملي ومرئي يتيح للجميع استيعابه، كما تتيح القناة للجميع متابعة الدروس وما يتعلق بها من فعاليات عبر القناة ذاتها، وذلك مع العلم بوجود «قناة عين» ولكن لظروف غير معلومة لا تظهر عند البعض، ولا يستفيد منها الجميع، علاوة على أن محتوى «منصة مدرستي» يعتمد إعدادها على مستجدات وإضافات مستحدثة، ليشمل محتواها جميع القائمين والمستهدفين من العملية التعليمية في أسلوبها المستجد.