يعتقد عالم الأحياء التطوري البريطاني ريتشارد دوكنز مؤلف كتاب (وهم الإله) الذي يتبع للمدرسة الداروينية أن الكون أقدم من الحياة التي عمرها ما يقارب 4 مليارات سنة والذين تعرفوا على هذا العمر من خلال الأحافير، وبأن أصل الكائنات كلها بكتيريا ضوئية أحادية الخلية تتحول وتتغير وراثيا على مدى مئات الملايين من السنين عبر تطورات جينية من خلال ما يسمى بـ(الانتخاب الطبيعي) العشوائي التراكمي، وبأن دقة وتصميم هذا الكون بسبب الطبيعة، وأن هذه البكتيريا الضوئية جاءت بالصدفة من خلال ظروف وشروط زماكانية مناسبة مما جعله يدخل في مأزق الأسئلة عن النشأة الأزلية للكون (ما قبل أصل الكائنات).. وهكذا.

لست هنا للحديث عن دوكينز وأيديولوجيته وإنكاره لوجود الخالق عز وجل ولا عن تبنيه للنظرية التي يغلب عليها الافتراضات والتخمينات والتي رد على أخطائها وتناقضاتها بالعموم كثير من المتخصصين المعتبرين ومن علماء الغرب أنفسهم، ولكن من المهم هنا على بعض أتباع الأديان ومنهم المسلمون - الذين يعتقدون أن بيننا وبين آدم عليه السلام عشرة آلاف سنة أو أقل من ذلك - ألا يُغرقوا في نظرية المؤامرة ومقاطعة العلم بالكلية والذي منه نظرية التطور - محور حديثنا - بل يجب عليهم قبولها وتأملها وتقديم الحجج والأدلة بطريقة حضارية وأن يعيدوا قراءة النصوص الدينية بشكل أعمق ومتوائم يجعلنا نتقارب معها ونفهمها أكثر خصوصا فيما يتعلق بجزئية (الزمن/ عمر الحياة).

عن افتراض دوكينز لعمر الحياة من المناسب هنا أن أشير لما عرضه الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه (العقل المؤمن / العقل الملحد) في الفصل الثالث عندما تحدث عن نظرية التطور وعلاقتها بالنصوص الدينية من الإنجيل وإشارة سريعة للقرآن من خلال تناوله لأفكار عالم الأحياء الأمريكي فرانسيس كولينز والذي مع إيمانه فقد أعطى نظرية التطور حقها العلمي دون تحرج على حد قوله، وعرض الدكتور الغذامي آيات قرآنية يراها أقوى وأدق وضوحاً من التي اعتمد عليها كولينز في الإنجيل أولها قوله عز وجل (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) والتي تشير إلى مفهوم اختلاف الزمن الرباني للخالق عن البشر المخلوقين وما توصلوا إليه في حساباتهم واجتهاداتهم المتعمقة للزمن الضوئي وغيره، وثانيهما قوله عز وجل (هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) والتي تشير لمراحل خلق الإنسان ونشوئه وتكوينه حتى اكتماله، حيث إن هذا الزمن طويل وغير محدد لورود كلمة (حين) كما قال عدد من المفسرين ومنهم القرطبي، وكما تشير معاجم اللغة بأن (حين) تعني زمن مبهم يصلح لجميع الأزمان، ويتصل بالآية السابقة قوله عز وجل (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهي تعزز فكرة (الظروف الأولية / ديكارت) عن نشوء الكائنات وتطورها حتى الكمال.