يعلم أبناء هذا الوطن الكريم - المملكة العربية السعودية- أنهم ينعمون برغد العيش، واستتباب الأمن، ويدرسون في أرقى الجامعات والمدارس، ويركبون أفخم المركبات، ويسكنون أحسن المساكن، ويأكلون ما لذ وطاب من أفخم المأكولات، ولم يحسوا في هذه البلاد بالجوع قط، يعلمون ذلك، ولكن هل يعلمون أن الملك عبدالعزيز، رحمه الله، الذي أمضى حياته كلها ليبني لهم كيانا آمنا، ومستقبلا باهرا، ودولة إسلامية عظيمة، كتب إلى أحد عماله كما في الوثائق ما نصه: «أبو صالح يا عصابة راسي ترا حنا متنا من الجوع»؟

صقر الجزيرة، الملك المؤسس عبدالعزيز، رحمه الله، يقول «متنا من الجوع» ومع هذا يواصل بذل الجهد والعرق والدم، رحم الله الملك عبدالعزيز لقد جاع ليشبع أبناء وطنه وأبناؤهم من الأجيال القادمة، وتعرَّض للأخطار ومعترك المنايا وبارقة السيوف، ليجعل أبناء شعبه والأجيال القادمة من أبنائهم يعيشون في أمنٍ ووحدةٍ ومحبة، بعد الخوف والفُرقة والعداوة، وأخذ بأسباب التقدم والحضارة، التي لم يستوعبها كثير من الناس في زمنه، بل وعارضها بعضهم لأنهم لم يجدوها بأرض قومهم من قبل، وتوهموا أن في إيجادها مفاسد، لا تقبلها الشريعة، فعانى منهم، ولكنه بين لهم- بعلم وحلم- أن الإسلام هو الذي يأمر بالأخذ بأسباب القوة، وأن الأصل في الأشياء الحل إلا بدليل، وليس هناك دليل مانع، ومع ذلك فقد رفق بالمانعين لكون تلك المخترعات فاجأتهم، ولعلمه أن الناس عادةً أعداء ما جهلوا، ثم تبين للمانعين والمتوقفين فيما بعد خطؤهم، وزادت ثقتهم بحكمة الملك عبدالعزيز ودقة فهمه للشريعة، وسعة أفقه، وبعد نظره، وقالوا ماذا لو سمع الملك عبدالعزيز كلام بعضنا في منع استعمال البرقيات أو في منع استقطاب من يعمل في تنقيب البترول، الذي جعله الله كنوزاً في الأرض لنفع البلاد والعباد، وخدمة الإسلام والمسلمين؟

ولفقه الملك عبدالعزيز بالشريعة والسياسة كانت سياسته مع الدول غاية في الإتقان، فأجرى المواثيق والاتفاقيات التي فيها مصالح المملكة العربية السعودية، ولكون بعض طلبة العلم يتدخلون ليس فقط في العلوم الشرعية التي ربما لم ترسخ قدم بعضهم فيها، وإنما تدخلوا كذلك في الأمور السياسية التي لا شأن لهم فيها، فتلطّف بهم الملك عبدالعزيز، ووعظهم موعظة بليغة قائلا: «إخواني المشايخ: أنتم الآن فوق رأسي، تماسكوا بعضكم ببعضٍ لا تدعوني أهزّ رأسي فيقع بعضكم أو أكثركم، وأنتم تعلمون أن من وقع على الأرض لا يمكن أن يوضع فوق رأسي ثانية» ينظر: حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين.

ويذكر آرمسترونغ: «أن الملك عبدالعزيز يستمع لكلام أهل العلم في الأمور الشرعية، فلما أرادوا أن يُقدموا له النصح في الأمور السياسية والعسكرية، أمرهم بالرجوع إلى كتبهم»، فما أحسن أثر الملك عبدالعزيز على الناس، وما أحسن تعليمه وتوجيهه.

وليت «بعضاً» ممن صبوحهم وغبوقهم اليوم في الإعلام ووسائل التواصل الكلام في السياسة، تحت ألقاب مجانية مثل: باحث سياسي، ومحلل استراتيجي، وخبير بالجماعات السياسية والحزبية، والواقع أنه لا شيء من ذلك، بل لو سمع السياسي حقاً أحدهم يتحدث لقال «ليته سكت»، لأن بعضهم يكون براقشياً في حديثه، وقديما قالت العرب: «على أهلها جنت براقش».

إن المأمول من أبناء هذا الوطن بصفة عامة والشباب الذين هم عماد المستقبل بصفة خاصة، أن يذكروا نعمة الله على الوطن والمواطنين بالملك عبدالعزيز وأبنائه، ففضلهم علينا بعد فضل الله كبير، وأن يشكروا الله الذي أطعمنا من جوع وآمننا من خوف، وألا يزدروا نعمة الله التي أسبغ علينا، وألا يلتفتوا لأي قنوات وحسابات معادية، تحسدنا على ما آتانا الله من فضله، وإنما عليهم أن يكونوا مع وطنهم وقيادتهم، وليقرأوا التاريخ ليعلموا كم من التعب والعرق والدم الذي بذله الملك عبدالعزيز ورجاله، ليبنوا لنا دولةً سعودية راشدة هي الآن من دول العشرين العظمى في العالَم، نسأل الله أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والإيمان، وأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ويسبغ عليهما نعمه ظاهرة وباطنةً.