خلال الفترة القصيرة الماضية عطرت بالانشراح أرواحنا رائحة مسك طفولي عذب، هب علينا من عرعر، حاملا معه أريج النقاء والبساطة، وخفة الظل والبراءة التي افتقدناها من مشاهير أطفال وسائل التواصل إلا من رحم ربي.

مسك العنزي بلهجتها البكر، وثيابها، وحنة يديها، ورقصها الذي يستخلص ملامح الأصالة الخالصة من زمن التمدن المهجن بمزيج من الثقافات المختلفة، هذه الفتاة تستحق منا وقفة مسؤولة، لنحافظ على نقائها من شوائب الشهرة وسلبياتها، التي تنحر روح البراءة والإبداع بسكين المال والأضواء والانتشار الذي يأخذ من هؤلاء الأطفال أكثر مما يعطيهم، خاصة أن مدة صلاحيتهم قصيرة فوهجهم مرتبط بسنهم، وغالبا متى ما تجاوزوا سن الطفولة تبخرت شهرتهم وتلاشت، وهذا بحد ذاته ينعكس سلبيا على نفسياتهم فيتراوح التأثير بين الانطواء والانعزال، الذي قد يتطور ليصبح اكتئابا قد يصل بالأمر إلى مرحلة الضياع التام لمن لم يدرك أهله خطورة انحسار شهرته، التي أكلت لب براءة طفولته ثم رمته قشورا في شبابه، أو إلى استمرار ظهور سامج بمحتوى فارغ إلا لمن حباه الله بذكاء وفطنة تجنبه سطحية الظهور، وهذا ما لا نريده أن يحدث لمسك كما حدث لغيرها.

ما لاحظته أن مضمون ظهورها الإعلامي في القنوات الفضائية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والمحور الأساسي الذي استندت عليه هذه اللقاءات، هو تسليط الضوء والتركيز على مشكلة الفتاة مع خالتها وبناتها، وإبداء غيرتها منهن وكيدها لهن باللفظ أو الحركات التي كانت خفيفة لطيفة طريفة، عندما أتت بعفوية غير مقصودة، المحرك لها مشاعر مرنة لطفلة لا تحمل حقدا ولا كرها إنما هي ردة فعل لموقف عابر، مشاعر يمكن أن تتحول للنقيض لو تغير الحدث إلى موقف آخر يجمعها بحب بخالتها وبناتها، ولكن الفضائيات والبرامج للأسف أمسكت بسلبية الموقف وحولته من مشاعر عابرة إلى أساس لاستمرارية شهرة هذه الطفلة..!

تخيلوا معي.. ماذا لو اجتهد كل من استضاف هذه الطفلة مسك العنزي قليلا، واتجه بمحاور اللقاء إلى جهة تعزز من ثقة الفتاة بنفسها، وسلط الضوء على ميزاتها الكثيرة دون التطرق إلى ما تتفوق به بنات خالتها عليها؟

ماذا لو تركناها توجه رسائل حب لجواهر خالتها وبناتها، رسائل تنشر الود والسلام والألفة بين الأهل والأقرباء، بدل الظهور السلبي والمحاور الصريحة التي تطلب منها أن تعيد حركات الكيد الجسدية، وترسخ في ذهنها أنها أقل منهن جمالاً!

ماذا لو حاول كل معد أن يجلس مع مسك قبل الاستضافة، وبحث عن جوانب في شخصيتها أكثر طرافة وحضورا من خلافها مع خالتها، وحاول أن يظهره لنا ولها، لترتبط شهرتها بها بدل الغيرة والكره والكيد؟ ومن خلالها تنتشر في المجتمع رسائل إيجابية غير مباشرة، يتشربها متابعوها بدل رسائل الكرة التي جملتها عفوية الطفلة، ولكنها تبقى سلبية، وذات أثر خطير عليها وعلى من يتأثر بها!

من باب «كلنا مسؤول» رأيت أن من واجبي أن ألفت النظر إلى أن ما يحدث لهذه الطفلة وغيرها، جريمة في حق الطفولة التي يخدش البعض نقاءها بدون قصد.. وبحق الوطن والمجتمع، لأن هؤلاء الأطفال النوابغ بمواهب مختلفة، حقهم علينا أن نحتوي مواهبهم ونوجهها إلى ما يفيدهم ويرتقي بقدراتهم ويصقلها، ليصب هذا الاحتواء فائدة يرتوي منها الوطن والمجتمع وينمو، فليس هناك أجمل من عجينة الطفولة الخصبة بالقدرات والمواهب التي يمكن أن نشكلها كما نريد، لنرتقي بالفرد، ومن رقيه يرتقي مجتمعه ووطنه. من يتأمل في الصغار ومن ألهمه الله المقدرة على قراءة ما بين سطور أحاديثهم وتصرفاتهم وتفاعلاتهم مع المواقف المختلفة، يجد حكما ومنطقا يعجز عنه الكبار أحيانا، فليس أبرع منهم في القدرة على الاستيعاب والتغير، فليتنا نأخذ بأيديهم إلى قمة العلو لا إلى أسفل الانحدار.

أما مسك الختام فرسالة إلى ابنتي وابنة وطني الغالي مسك.. قفي أمام مرآتك وانظري إلى صورتك، واكتشفي كم أنت جميلة بكل شيء، دون النظر إلى ما عند غيرك. وإلى أهل مسك، حفظ الله لكما هذه الجوهرة، فاحذروا أن تجرفكم سيول الشهرة إلى خطر يهدد سلامة ابنتكم الرائعة.

الأطفال النوابغ ، حقهم علينا أن نحتوي مواهبهم ونوجهها إلى ما يفيدهم ويرتقي بقدراتهم ويصقلها، ليصب الاحتواء فائدة يرتوي منها الوطن والمجتمع