أعلى الله مكانة العلماء الراسخين والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة معلومة، ولذلك استشهد الله بهم من دون سائر الناس على أعظم مشهود عليه وهو توحيد الله، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته فقال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}.

وحينئذ لا يلتفت لمن يزهدون الناس في العلماء، لأنهم بهذا التزهيد مخالفون لأمر الله ورسوله، فالله سبحانه وتعالى رفع شأن أهل العلم كما قال تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، وهم يتنقصون أهل العلم، فطائفة منهم يصفون علماء السلف بعلماء الحيض والنفاس، وطائفة أخرى يصفونهم بالكهنوت، وهي شنشنة نعرفها من أخزم.

وبين أيدينا رسالة عظيمة من ملك كريم صالح مصلح، وهو الملك عبدالعزيز أسكنه الله فسيح جناته، يبين فيها مكانة العلماء، ولا يستغرب منه ذلك، لكونه متمسكا بالكتاب والسنة، ووارثا لسلسلة ذهبية من آبائه وأجداده آل سعود أهل التوحيد، وأنصار الشريعة الإسلامية.

والمقصود بالعلماء: العلماء الراسخون في العلم: أهل العقل والحكمة والصدق وسلامة المنهج، وحصافة الرأي، الذين يخافون الله، ولا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والذين يعرفون حدودهم فلا يتدخلون فيما لا يعنيهم، ولا ينازعون الأمر أهله، ويعرفون قدر إمام المسلمين، وأهمية اجتماع الرعية عليه، ويحبون الخير للمسلمين، ويحذرون من الإثارة والتهييج، ولا يتكلمون إلا وقد علموا مآلات كلامهم، فما كل ما يعلم يقال، فالسياسة لها أهل وفي الحديث (عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)، والحروب لها أهل، والطب له أهل.. وهكذا.

وليس المقصود بأهل العلم: من حفظ معلومات، أو اتصف بالمشيخة والدكترة، وصار يحكي في القنوات والتواصل، بدون عقل راشد، ولا منهج سلفي متزن، ولا خوف من الله، وإنما حظه من العلم: الشغب والقال والقيل والإثارة، ولفت الأنظار، التي هو لا شيء بدونها.

فهاكم نص رسالة الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله، وأسكنه الله فسيح جناته، يقول رحمه الله: (من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب الأخ المكرم... سلمه الله تعالى، آمين، بعد مزيد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام، خطك وصل، وما عرفت كان معلوما خصوصا امتثالكم لأمر الله أنتم والشيخ، هذا أمر من عنوان سعادتكم، ولا نرى فيه حقا غير ذلك، وليس هناك من أحد يدعي أنه مطيع لله، إلا الذي تظهر عليه إشارات الحق والخير بتقديم العلم وأهله، وأنت يا أخي لا تهتم لأحد في هذا الأمر.

الأول: يكون عندك معلوم أن صاحب الحق منصور إن شاء الله، وما قمت به تريد النجاة عند ربك، وامتثال أمر علماء المسلمين.

الثاني: اذكر وصاياي لك دائما كلما قابلتك، واعرف أن من أحبك في دين الله تراه ما ينصحك إلا بقوله: قدم الشريعة، واسأل أهل العلم، وعاضدهم، وانصح أهل الجهل وادقمهم.

وترى هؤلاء الناس الذين يقومون تبع كل ناعق، حروة إن الله يسلط بعضهم على بعض في حياتهم، لأن هذه من عادة الله يكفي المسلمين الشر، ويرده على أهله....وإذا أردت أن تعرف قلبي وقالبي وما أنا عليه وما أنا فاعله، فمثل ما عرفتك سابقا ولاحقا فأنا خادم لأهل العلم، والله بحوله وقوته إن شاء الله لأمضي ما قالوا، وأحب من أحبوا، وأبغض من أبغضوا، وأمضي أمرهم على نفسي وعيالي ومن أحب، وأنت اغد (أي: كن) مثل ما قال راعي المثل: إذا كان الذي بيني وبين الله «عامر، فعسى الذي بيني وبين العالمين خراب، أيضا: يكون عندك معلوم إذا كان الله معك فمن تخاف؟ وإذا كان عليك فمن ترجو؟ اعرف وصية أهل الخير بعضهم لبعض، والاقتداء بقول الرسول صلى الله عليه وسلم» من اتخذ رضا الله بسخط الناس، رضي الله عليه، وأرضى عليه الناس، ومن اتخذ رضا الناس بسخط الله عليه، سخط عليه، وأسخط الله عليه الناس، اتق وجهه يكفك الوجوه...).

واحترام العلماء الراسخين هو منهج سلكه جميع أبناء الملك عبدالعزيز وأحفاده، وها نحن نشاهد الملك سلمان ـ حفظه الله ـ في تقديره للعلماء، فهم الذين عن يمينه وشماله، وها هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ـ حفظه الله ـ يضرب المثل باحترام العلماء، بل وزيارتهم في بيوتهم، كما في زيارته لشيخنا صالح الفوزان في منزله، فما أسعدنا بهذه الأسرة المباركة، اللهم انصرهم نصرا مؤزرا، ووفقهم لكل خير.