تتمسك بعض قبائل منطقة جازان بموروث خاص تحييه بمناسبة ختان أبنائها، متمسكة بكامل تفاصيلها القديمة، على الرغم من تخلي كثير من القبائل في مناطق أخرى عنه، وعلى الرغم من تحوّل عملية الختان بفعل التطور العلمي والطبي من عملية صعبة تستخدم فيها الشفرة الحادة، وتُجرى في الغالب في مكان عام ومفتوح، لتجرى اليوم في غرفة مستشفى باستعمال إبرة التخدير ومشرط الطبيب المختص، مستغرقة ثوان عدة فقط.

لوحة فنية

يوضح الفنان التشكيلي قالب الدلح لـ«الوطن» أنه جسد لوحة فنية عن الختان كموروث شعبي في منطقة جازان، حيث تقام هذه المناسبة بعد بلوغ الشاب الـ15 فما فوق، وهي تمثل مرحلة انتقال الشاب من الطفولة إلى المراهقة، بحيث يكون قادرا على تحمل الختان، و«رفع رأس أهله وعشيرته بتحمل آلام العملية».

ويتكون الختان من عدة مراحل، منها الطلبة، وفيها يجهز الشاب بثياب جديدة مثل المصنف (نوع من الأردية) والشميز (يشبه القميص)، ويرش على رأسه بالطيب المحلب والريحان أو الشيح، ثم ينطلق لدعوة سميه أولاً، وأخواله، وكل من تربطه صفة قرابة لحضور مناسبة الختان.

فِي اليوم التالي تبدأ المناسبة الاحتفالية من بعد العصر، وهي العرضة في ميدان فسيح يحضره جميع أبناء القرية، ويستمر إلى غروب الشمس، وفي المساء تبدأ السمرة (ليلة قبل الختان) والهود (نوع من احتفالية تقام بعد ختان من تجاوز العاشرة وتستمر 3 أيام) من بعد العشاء إلى بعد منتصف الليل، ويتخللها معظم الرقصات مثل رقصة السيف والعزاوي والمعشى والزيفة.

وفِي الصباح الباكر ليوم الختان يجهز الشاب، ويذكره والده بأنه سيقف أمام الناس يشاهدونه أثناء الختان، وأن عليه أن يرفع رأس أهله وقبيلته في هذا اليوم العصيب على الأهل والقبيلة، بعدها ينطلق إلى الميدان تصاحبه دمة خفيفة والزلاف إلى الموقع المحدد، ثم تستبدل الجنبية بعصى يمسكها بكلتا يديه على رقبته من الخلف ثم يرِد على الختّان مرفوع الرأس، مظهرا عدم المبالاة بحد السكين، ويقف مقابل الجمهور، وينتدب أنا فلان ابن فلان، وخالي فلان ومن القبيلة الفلانية، ثم تجري عملية الختان بسرعة هائلة.

بعدها ينطلق إليه والده وأخواله يسلمون عليه ويباركون له وقفته، وينطلق بعدها في موكب بهيج، يمر فيه على معظم بيوت أقربائه ويحدث أثرا بجنبيته في «كابة العشة» التي يصل إليها (أي يترك علامة بجنبيته على الأبواب التي يمر بها)، حتى يصل إلى بيت والده، فتستقبله والدته بالغطاريف والفرح، وتقطع في هذه الأثناء «مصار» وهوغطاء يوضع فوق رؤوس النساء ابتهاجا بهذه المناسبة.

بعد وصول الختين إلى منزل والدته واستقبال والدته له، تبدأ عملية مساعدته بنقود توضع على رأسه، ومن ثم في يد أبيه مساعدة لهم بهذه المناسبة.

ويشير الدلح إلى أن هذه الفعاليات من الختان بالطريقة القديمة اختفت بعد انتشار التعليم في المنطقة، ووجود المستشفيات التي يتم ختان الأطفال فيها.

ولائم وعرضات

يشير عضو فرقة الدرب الشعبية محسن مصعود لـ«الوطن» إلى أن كثيراً من الطقوس التي كانت تصاحب الختان اندثرت، فيما يتمسك البعض بالهود، حيث تلي عملية الختان إقامة الولائم والعرضات والرقصات الشعبية.

بدوره، يتذكر المواطن محمد الحدري بأنه يذكر عددا من أهواد الختان التي أقيمت في مركز ريم على العادة القديمة، وشهد بعضها مبارزات شعرية ومبارزات في الدمة، ويذكر أن ذلك يعود إلى عام 1400، كما يذكر هودا حضره الخاصة من جماعته عام 1403، وآخر هود مماثل كان هود لأحد أبناء القبيلة عام 1411، وبعدها اختفت هذه العادة، وصار يختن الختين في المستوصفات والمستشفيات، ولكن بقيت العادة والاحتفال بالختين إلى يومنا هذا من قبل البعض، ويقول «أقمت حفل وهود لابني بعد ختانه في المستوصف، وشهد الحفل دمّات وعرضات وكان ذلك عام 1424».

من جانبه، يقول المواطن عمر المحراقي من قرية منشبة «أذكر أنه أقيم حفل ختان قبل 8 أعوام في القرية لاثنين من أبنائها، وقد بدأ من العصر واستمر حتى آخر الليل، وحضره معظم القبائل المجاورة ومن آل حدرة بحكم السماية بينهما».

أهزوجة خاصة

يذكر المواطن حمود الحدري أن الختان احتفظ بطقوسه حتى قبل 25 سنة مضت، وأما عادات ختان الأطفال والهود واحتفالاته وغيرها فكان آخرها عام 1427، بينما لا تزال احتفالات الهود قائمة في قرية العبادل وجرى آخرها العام الماضي.

وأوضح أحمد الأصم «كنت ممن جرب الختان بالطريقة القديمة، وبشفرة، وأمام الناس وكان الخَتَّان يصول ويجول أمامي، وينطق بكلمات تبعث الحماسة والقوة حتى لا أرمش أو يبدر مني أي حركة، كما أذكر أهزوجة بهذه المناسبة تقول»يا أحمد في يوم الوعيد لا ترمش عينك وأنت جيد قو قلبك خليه كالحديد والمعلمين قله هات زيد قرب لي لا تجلس بعيد والشفرة منها لا تحيد«.. وكنا نتجول في البيوت بيت بيت حتى الغروب بالأهازيج والزلاف والدمات، وفي الليل يبدأ السمر والهود حتى يأتي يوم عملية الختان، وكانت تجري في مكان مرتفع عن سطح الأرض ليتمكن الجمهور الحاضر من مشاهدة الشخص المختون».

تطور طبي

يبين الطبيب محمد المصري الذي يعمل في مستوصف الدرب أن عملية الختان تطورت، ويقول «تطورت عملية الختان عن الماضي، وصارت اليوم مجرد عملية بسيطة تحتاج مدة تخدير بسيطة، وتنتهي في ثوان باستخدام مشرط معقم، أما سابقا فكانت تستخدم فيها الأمواس وآلات حادة ومعقدة».

ويوضح «الأهم أن يكون لدى الطبيب دراية بما يمكن أن يرافق العملية من مشاكل، وأن يحسن التعامل معها بطريقة صحيحة، مبينا أن أفضل أوقات الختان هي في الأسبوع الأول أو قبل نهاية الشهر الأول من الولادة».