لكل واحد منا حياة تخصه، يعيشها كيفما يشاء، والآخرون ليسو معنيين بها إلا إذا كان عليهم دفع ضريبة حرية الآخر. حينما يصر أحدهم على أن يُشهد العالم إحسانه فيقوم بتصوير الناس الذين يساعدهم، ليجدوا أنفسهم قصة وصورة على منصات التواصل الاجتماعي، هذه ليست حرية بل تعد على خصوصية الآخرين ولا شيء يبرر ذلك.

من الممكن أن تصور نفسك وأنت تمد يد العون لأحدهم طلباً للشهرة والسمعة، ولكن ليس من المعروف أن تصور الإنسان الذي تساعده وإن أذن لك بذلك ببساطة لأنه يخاف إن لم يوافق على تصويره فلن تمتد له يد المعونة، فأكثر الذين يصورون ما يعطون مطلبهم هو الشهرة، تعلمنا أن إخفاء الإحسان من الإحسان.

إنّ للشهرة لحلاوة وإن عليها لطلاوة لذلك تسابق عليها الأولون والآخرون وإن كانت على حساب كرامة الآخرين وأسمائهم. أتذكر قصة جابر عثرات الكرام، القصة التي وردت في كثير من الكتب، ذلك المسلم العربي الشهم عكرمة الفياض الذي اختار أن يساعد في الظلام حيث لا يراه أحد، حيث لا كاميرات ولا سناب شات ولا متابعين، فالله وحده يكفي والله خير الشاهدين.

قدم صرة فيها أربعة آلاف دينار لخزيمة بن بشر الذي فقد ماله وتدهور حاله، فأغلق عليه بابه لأنه رفض أن يمضي بقية عمره على شفقة الناس وإحسانهم. ذهب عكرمة الفياض لخزيمة ليلاً دون أن يعلم به أحد فسأله خزيمة (من أنت؟)، فرد عليه عكرمة (لو كنت أريدك أن تعرفني، لما جئتك في هذا الوقت) فامتنع خزيمة عن قبول المال إلا إذا عرف الرجل، فقال عكرمة (أنا جابر عثرات الكرام)، لم يكن اسماً بل كانت كناية جليلة تشبه قائلها.

كان تعبيراً لا يشف ولا يكشف ملامح هذا المحسن العظيم الذي لم يرغب في جرح مشاعر إنسان وهو في أسوأ ظروفه.

كل الكرماء الذين خلد أسماءهم التاريخ، لم نتعرف على من أحسنوا أو على من تصدقوا، ولم يتحدثوا عن أنفسهم بل تركوا التاريخ يحكي عنهم، وبقيت حكاياتهم أساطير نتعلم منها كيف يكون العطاء، لا قيمة لعطاء ينتهك خصوصية إنسان.

كل عطاء أريد به شهرة هو أذى يجب كفه ومنعه، فلان الذي تصدق على فلان بقيمة كذا، وإن كنا لا نعرف فلان فعليهم أن يعرفوه لنا صوتاً وصورة حتى نتذكر إحسانهم! القاعدة تقول إذا أحسنت فلا تمن، وإذا مننت فما أحسنت.

ما زال هناك محسنون يساعدون خفية دون كشف ستر الناس والتشهير بهم، يبتغون وجه الله وحده حيث الاستثمار الحقيقي.

أفكر دائماً ماذا لو لم يكن هناك وسائل تواصل اجتماعي، هل كنّا سنسمع ما نسمع، ونرى ما نرى ونعرف ما نعرف!

ليس بالضرورة أن كل ما نعرفه ونراه ونسمعه يسر الخاطر فكثير منه يؤذي النفس ويغثها.. يجب أن ندرك أن كل ما نحصل عليه بسهولة سيذهب بالسهولة ذاتها، وما بُني على باطل فهو باطل، ستر الناس وأسماءهم وقصصهم ليست للبيع ولا لمن يدفع أكثر وفعل الخير لا يتطلب شاهد غير الله أليس الله بكاف عبده!!

@seniordoctor