أقرت الأمم المتحدة أواخر الأسبوع الماضي بجهود المملكة لمحاربة جائحة كورونا في اعتراف دولي جديد، يؤكد أن ما بذلته من جهد أتى بنتائج باهرة، ليس على الصعيد المحلي فقط، بل على صعيد العالم أجمع، كما اعتمدت بأغلبية كبيرة، مشروع قرار يدعو لتنسيق استجابة عالمية عملية لمكافحة الجائحة، تتويجاً لجهود المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين، وتقديمها الدعم للدول النامية دون استثناء أو تمييز، فضلاً عن تقديم الدعم للأشخاص المستضعفين وكبار السن والنساء والفتيات والمشردين واللاجئين والأشخاص ذوي الإعاقة، والمناطق الأكثر ضعفاً في مواجهة هذه الجائحة.

كذلك بادرت المملكة من خلال رئاستها الدورة الحالية لمجموعة دول العشرين باقتراح عقد قمة افتراضية لبحث أفضل السبل الكفيلة بمواجهة جائحة كورونا، وتنسيق الجهود الدولية للقضاء على الفيروس، وتوفير مصادر تمويل لمساعدة الدول الأقل نموا ودعمها لتحمل الآثار السالبة المترتبة على انتشار المرض. وقد قوبلت تلك الجهود بترحيب كبير من كافة الدول الأعضاء في المجموعة ومن دول العالم قاطبة، وتبارت الدول الكبرى في تخصيص ميزانيات كبيرة خصصت لدعم الفقراء حول العالم وتعزيز الجهود الجارية للتوصل إلى لقاح فاعل يساعد على إيجاد علاج ناجع للكارثة. ويعود هذا التجاوب الدولي الكبير لما تتمتع به المملكة من ثقل، وما يجده قادتها من قبول عالمي واحترام واسع.

ما قامت به المملكة من جهود واسعة لاحتواء أزمة كورونا وتطويق الفيروس ومنع انتشاره، ومعالجة الآثار السالبة للجائحة انطلق كما ذكرت من منطلقات واضحة، هي الحرص على مصالح مواطنيها والمقيمين على أرضها، ووضعها لسلامتهم وضمان حياتهم فوق أي اعتبارات أخرى، وما يؤكد ذلك هو أنه بينما ركّزت كلمات كثير من قادة دول العشرين على كيفية تجنيب العالم مخاطر الركود الذي يهدد الاقتصاد العالمي، كان البعد الإنساني حاضرا بقوة في اهتمام خادم الحرمين الشريفين، وهو يشدد على ضرورة الاهتمام بمحاربة وباء كورونا لإنقاذ البشرية أولا، ومساعدة الدول الأقل نموا على تجاوز آثار الكارثة، وتوجيه الجهود نحو إيجاد علاج ناجع للفيروس لتقليل عدد الضحايا.

اكتسبت طريقة التعامل السعودي مع مقتضيات أزمة (كوفيد - 19) التي يمر بها العالم في الوقت الحالي أبعادا كثيرة، حيث امتازت بالعمق واتبعت أسلوب التخطيط السليم وتطبيق أعلى المعايير الاحترازية بشكل فوري ومبكر، والالتزام بالإجراءات الصحية العالمية المتبعة في مثل هذه الجوائح، مع ما يتطلبه ذلك من مصروفات ضخمة وتضحيات جسيمة، وذلك إيمانا منها بأن صحة الإنسان وضمان سلامته وعدم تعريضه للخطر هو هدف أسمى يستحق أن يمنح الأولوية على ما سواه، وأن يتم تقديمه على أي مكاسب سياسية أو اقتصادية، مما يدل مجددا على أن الإنسان هو محور اهتمام هذه القيادة الرشيدة.

بدءا، وبمجرد ظهور الفيروس لم تتردد السلطات السعودية في إغلاق المدارس والجامعات ومؤسسات القطاع الخاص والدوائر الحكومية، رغم أن هذه الخطوة تحمل في جوانبها مخاطر كثيرة، في مقدمتها تكبد نفقات مالية ضخمة، وتعريض الاقتصاد لخطر الانكماش والكساد، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الاقتصاد السعودي من أسرع اقتصادات المنطقة نموا وازدهارا، حسب تأكيدات المؤسسات الدولية المتخصصة، والدليل على ذلك كثرة المشاريع النوعية التي يجري تنفيذها في مختلف مناطق البلاد. لكن ذلك لم يمنع من اتخاذ الخطوات السابقة، لأن الإنسان هو المستهدف الرئيسي من كل ذلك النشاط الاقتصادي، وأنه لا قيمة لأي نهضة أو تطور إذا كانت حياته معرضة للخطر.

إضافة إلى ما سبق سارعت السلطات المختصة إلى توفير المعينات الطبية الضرورية لمواجهة الجائحة في كافة مستشفيات المملكة، إضافة إلى الكمامات والقفازات والمعقمات بكميات كافية، وتم تهيئة المئات من المحاجر الصحية في فنادق متميزة لاستقبال المرضى، وصدرت التعليمات والتوجيهات الصارمة بتقديم الغذاء والعلاج المجاني للجميع.

ليس هذا فحسب بل بادرت المملكة بتقديم حزم متواصلة من الدعم لمؤسسات القطاع الخاص عبر برامج متعددة، وقامت بتسديد 70% من رواتب جميع السعوديين العاملين في القطاع الخاص، وهو ما استلزم إنفاق مليارات الريالات.

لم يقتصر اهتمام المملكة على رعاياها فحسب، ولم تقدم الدعم للسعوديين فقط، فقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قراره بتقديم العلاج المجاني لجميع المواطنين والمقيمين، حتى الذين لم يلتزموا بالتعليمات ولم يتجاوبوا مع الأنظمة وخالفوا قوانين الإقامة، فشملهم بعطفه وإنسانيته وهو يصدر قراره التاريخي بتوفير العلاج المجاني لمرضى كورونا في كل مستشفيات المملكة، وتوفير أقصى درجات العناية الطبية لهم. وهذه النظرة المتقدمة تنطلق من مبدأ أساسي هو أن الحق في الحصول على العناية الطبية هو حق أصيل للإنسان، بغض النظر عن جنسه أو دينه أو وضعه القانوني، فمجرد كونه إنسانا فهو كائن يستحق العناية والمساعدة.

هكذا هي المملكة على الدوام، تصنع الحدث وتترك للآخرين مهمة متابعته، وتؤكد أنها مملكة الإنسانية، عطفا على قرارات قادتها وتوجهات شعبها، ومرة أخرى يقدم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - دروسا مجانية في كيفية التعامل الرحيم مع الإنسان، ويختار الوقوف وراء الإنسانية، دون اعتبارات سياسية أو دينية أو عرقية، انطلاقا من تعاليم الإسلام الراسخة ونظرته الرحيمة، ويضع أسسا جديدة في فن القيادة الرشيدة التي أكرم الله بها أهل هذه البلاد وأنعم عليهم بها.