تتنوع التحديات التي تواجه سوق العمل ما بين إشكالات تتعلق بهيكله المؤسسي ونظام العمل ومسؤوليته عن مدى فاعلية اللوائح والتشريعات المعنية بتنظيم السوق لتحقيق أهدافنا التنموية، وما بين تحديات تتصل بخلل واضح في تكوين موارده البشرية التي لا يحظى فيها المواطن بنسبة مشاركة مقبولة، والتي لا تصل إلى الربع من المشتغلين فيه، والذي يسهم بدوره في ضعف جدوى برامج التوطين والسياسات التي تطرحها الوزارة، كما تتعثر معها معظم الجهود أو محاولات الدفع بإيجاد فرص عمل أو استحداث مجالات مبتكرة لاحتواء الباحثين عن عمل من المواطنين، الذين تنمو أعدادهم مع كل تدفق لمخرجات جديدة من الجامعات والكليات، دون ظهور حلول مناسبة وفاعلة تسهم في معالجة تلك الإشكالية التي تنعكس سلباً على أهم تطلعاتنا التنموية، وهي القدرة على تمكين الموارد البشرية.

عندما يكون نظام العمل وما يتضمنه من لوائح وقوانين يرجع تاريخ إعداده وصياغته لعقود مضت، فإن ما يتضمنه من مواد وتشريعات وضعت لتخدم فترة تنموية سابقة، ولتحقق أهدافا لخطط انتهت صلاحيتها مع تحقق منجزاتها، إذ كانت المملكة آنذاك في بدايات مراحل التنمية، وفي المراحل الأولى لبناء مواردها البشرية، والتي أصبحت بعد عقود وبفضل من الله ثم بفضل جهود وطنية بذلت في نشر التعليم، غنية بمواردها البشرية المؤهلة التي تخصصت في أفضل الجامعات وفي مختلف التخصصات العلمية والأكاديمية، كما أفرزت خطط التنمية مستويات من المتعلمين، ليشمل القدرات والإمكانات المواطنة، بهدف تكوين البنية التحتية لسوق العمل وللقيادات المتخصصة في المجالات المختلفة.

وعليه فإن تحديث نظام العمل بكامل بنوده ولوائحه أصبح أمراً مفروغاً منه ولا يتحمل التسويف أو التراجع حتى عن بعض مواده، لأننا أصبحنا نعيش في مرحلة تنموية مختلفة تماماً عن محتوى نظام العمل القائم، ولذلك فهو لا يخدم تطلعاتنا المستجدة ولا يتواءم مع حداثة مضمون رؤيتنا وأهدافها الاستشرافية وتوجهاتها نحو بناء موارد بشرية، تكون قاعدة تستند عليها مؤسساتنا جميعها وليس بعضها، ولذلك فإن نظام العمل غير قادر بإمكاناته وقدراته المؤسسية، على إصلاح ومعالجة الإشكالات القائمة في سوق العمل، لوجود فجوة كبيرة بين أهدافه ومضمونه من جهة، وبين واقعنا التنموي المعاصر وطبيعة تحدياتنا، والتي لا يمكن أن تعالج ببرامج ومبادرات مؤقتة، لأنها لا تقدم حلولا جذرية لطبيعة ما نواجه من تحديات.

وقد تواردت في الآونة الأخيرة معلومات لعلها تدعو إلى التفاؤل بعض الشيء، حول التوجه نحو الموافقة على تحديث نظام العمل، والاهتمام بمناقشة توطين القيادات للموارد البشرية في القطاع الخاص، علاوة على ما تم التصريح به من الجهات المسؤولة حول رفع نسبة التوطين في بعض المهن التي يستأثر بها غير المواطن رغم ارتفاع أعداد المتعطلين من المواطنين في مجالها، إضافة إلى ما تم التصريح به مؤخرا عن التفاهم بين قطاع الصحة والعمل حول إيقاف استقدام أطباء الأسنان بسبب وجود كفاءات وطنية تنتظر مكانها في العمل في مؤسساتنا المختلفة.

التساؤل الذي يطرح نفسه؛ لماذا تكون حلولنا دائما جزئية أو نسبية أو مؤقتة في معالجة الإشكالات التي نعيشها ونلمسها بل وتؤرقنا مجتمعياً؟، لماذا لا نضع حلولا جذرية تعالج أصل المشكلة، حتى لا تعود إلى الظهور أو التراكم مجدداً؟، ولماذا لا يكون لدينا آلية فاعلة في متابعة تنفيذ القرارات المهمة التي ستسهم فعلاً في تصحيح شيء من إشكالات سوق العمل؟، لماذا لا نلجأ على سبيل المثال في نموذج أطباء الأسنان إلى وقف تجديد الإقامات وليس فقط وقف الاستقدام؟، لأن الإجراء الأخير لن يسهم حقيقة في معالجة المشكلة لسنوات قادمة، والأعداد في تزايد من مخرجات الجامعات، والسبب أن السوق يمتلئ بغير المواطن، وطالما هو يجدد له لن يجد المواطن فرصة قريبة للعمل، طالما هناك احتكار للسوق.

نجاح التوطين وتصحيح مشكلات سوق العمل من التستر وحرمان المواطن من فرص التدريب للعمل، واشتراط تدريبه للتوظيف رغم حداثة تخرجه، والضغط على من يعمل منهم من القيادات البشرية العاملة من غير وجه حق، وفتح الاستقدام دون تقييد نوعي وكمي، وانخفاض أجر المواطن، جميع ذلك يحتاج إلى تعاون بين القطاعات المختلفة لاستشعار المسؤولية الوطنية من أصحاب الأعمال والمتنفذين، بحجم الضرر الذي يلحق بهم وبالمواطنين وبالوطن من تقصيرهم في حماية مقدراتنا الوطنية، وتأثير ذلك على اقتصادنا الوطني واستقرارنا الاجتماعي.