بعد تفشي فيروس كورونا الجديد عام 2019، تغير مسار العولمة الاقتصادية واضحا. وقد توضع علامة الاستفهام في جملة آتية: العولمة قادرة على تحسين صحة الإنسان والبيئة المعيشية؟. وتعد الدعوة إلى مناهضة العولمة ليست قولا لا أساس له، لأن تفشيه قد أظهر عيوبها.

أولا تعد العولمة سيفا ذا حدين، فبينما تجلب منافع اقتصادية، فإنها تخفي أيضا خطر انتشار الفيروس. وفي العقود الماضية، كان الاقتصاد العالمي متشابكا، فساعد التنقل المفرط للسكان والتبادلات المكثفة بين الناس على انتشاره.

ثانيا لم تكن العولمة تستقر كل استقرار، فبعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا الجديد وباء عالمي في مارس هذا العام، قامت كثير من الدول بإغلاق حدودها وتقييد السفر الدولي واحدة تلو الأخرى، وقد أدى تنفيذ إستراتيجية الإغلاق إلى إضعاف اقتصاد الدول المتضررة منه.

ثالثا تتراكم المخاطر الخارجية بسبب العولمة، وبمجرد حدوث أزمة ما، فإنها ستؤثر على معظم دول العالم. وعطل الوباء نظام سلاسل التوريد وشبكات التوزيع والنظام المالي الدولي، وتراجعت مبيعات السلع الإستهلاكية، كما تراجع الاقتصاد الإقليمي بشدة، وانتشرت الأزمات الثانوية من خلال التأثير التموجية، فيحدث ذلك إغلاق الأعمال التجارية وبطالة الموظفين في مختلف الدول.

في بداية يونيو هذا العام، توقع صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي سيتراجع، وإن لم تندلع الموجة الثانية من الوباء، فقد تمتد آثار الموجة الأولى منها على الاقتصاد إلى عام 2022. مع ذلك، يمكن التأكد من أن الاقتصاد سينتعش بعد أن يصل إلى القاع. لذلك، فإن إنكار وجود العولمة حكم غير سليم. ومن بين أسباب عدم حدوث عكس العولمة أن التكنولوجيا لن تختفي، وهي بصفتها حافزا لتحفيز تقدم العالم ما زالت تدعم العولمة المتباطئة. ثانيا يصعب تعافي التجارة الدولية وسلاسل التوريد بسرعة في المدة القصيرة، ولكن الوباء لن يغير بشكل جذري الاتجاه الاقتصادي العالمي وتخطيط سلاسل القيمة. وتأثرت سلاسل التوريد المتعددة للشركات المتعددة الجنسيات به تأثرا مؤقتا، ولكن هذه الشركات العملاقة ستتخذ تدابير لتغيير أساليب الإنتاج واللوجستيات، وتسعى إلى تطوير أكثر مرونة مدعومة بالتكنولوجيا، وأصبحت الثورة التكنولوجية هي وسيلة مهمة لحل الأزمة، كما تستأنف الدول الإنتاج وإجراءات التوظيف تركيزا على الانتعاش الاقتصادي المحلي. ثالثا لن يؤدي الوباء إلى إنهاء الترابط بين الدول، وهو في الواقع ترابط بين الشعوب.

في مواجهة الوباء، التزمت بعض المنظمات الدولية بمهمتها مثل الاتحاد العالمي لألعاب القوى واللجنة الأولمبية الدولية واللجنة الأولمبية الدولية للمعاقين، فنسقت أحداثا رياضية ونظمتها على خير وجه، وذلك لضمان استضافة أولمبياد طوكيو وأولمبياد المعاقين لتشجيع الروح الرياضية البشرية. أما منظمة الأمم المتحدة التي تكون تمثيلا أفضل للمنظمات الحكومية الدولية، فتعمل بنشاط على تعزيز إدارة قوات حفظ السلام لدى أفريقيا. وتعمل أيضا على صياغة التدابير لمكافحة الوباء لحماية صحة وسلامة السكان المحليين وصيانة السلام العالمي بجدية. أما منظمة الصحة العالمية، فهي بصفتها منظمة موثوقة في مجال الصحة العامة تؤدي دورا مهما في هذه الأزمة المتعلقة بسلامة الإنسان، ولم تقتصر على تتبع انتشار الوباء منذ المراحل الأولى لحذر الدول وإبلاغها بآخر الأوضاع ونشر سياسات الوقاية فحسب، بل تبدد طاقتها للتعامل مع الأزمات التي تسببت عن الأمراض والمشاكل الصحية الأخرى كذلك. وفي المرحلة الحرجة التي تتعلق بمصير البشرية، فإن أي فعل لتقليص نفقاتها التشغيلية هو عمل غير إنساني وتنقصه مشاعر مسؤولية.

وفي هذه الفترة من التغيرات الكبرى، لا يزال العالم مهددا بعدة عوامل ظاهرة أو خفية. وستضطلع المنظمات الدولية المختلفة بمسؤوليات للحفاظ على النظام العالمي ومصالح الدول، والبيئة الطبيعية والتراث الثقافي، والاستجابة للأمراض والمجاعات وما إلى ذلك. وهي بصفتها داعما للتعاون الدولي تحل بشكل فعال النزاعات الدولية في مختلف المجالات وتحقق التقدم المشترك. لذلك يعد الانحساب من عضوية المنظمات الدولية أو بناء المنظمات المماثلة الجديدة فعلا عبثيا.