غريب أمر بعض البشر، يكون مقوساً في بطن أمه تحتويه الظُلمة لاتؤنسه ولا تحفظه إلا عناية خالقه وحينما يخرج إلى الحياه ويشتد عوده ينتفخ صدره ويرفع أنفه للسماء ثم يقول أين الإله!

ففي كل عصر يظهر لنا خطاب إلحادي جديد مختلفاً في منهجيته عن سابقه يحمل الجديد من الهرطقات والعثرات اللاعقلانية، وكنت أقرأ من الحين والآخر المستجدات من معتنقي هذه الحركة وروادها علني أجد محوراً علمياً وعقلانياً دسماً يستحق النقاش حوله، وما استطعت أن أخرج به أن الإلحاد لا يندرج في المنظومة الفكرية بل هو حركة اجتماعية من بعض أفرادها تولدت نتيجة عجزهم عن انتشال ذواتهم من رُكام الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتعددة منها الظلم والقهر والعنف والتطرف والغلو والتشدد وانتشار الجهل الديني والنسبية المعرفية والتعددية الثقافية المتناقضة والمناقضة للعقل والمنطق.

إن مفهوم الإلحاد فلسفة لا علاقة لها بالعِلم، فالقوانين الإلهية للبشر ثوابت مطلقة وليست متغيرة، فكيف يحلمُون أن يسود العِلم وهم يُنكِرون أهم قواعده وهو الطريق لمعرفة الله وعبادته!

والمفاهيم الخاطئة التي تشربتها طائفة من رواد التيار الإلحادي وبالأخص المتطرفة منها والداعية إلى إنكار الخالق ضمن الفلسفة العدمية إن هي إلا اعتلالات نفسية وعقلية بُنيت على سطحية فوقية الفِهم في قراءة الغاية من وجود الإنسان، لاسيما أن هذه الفئة لم تدرُس جيداً لتعي، أي لم تدرس وتبحث في العلم الذي يملأ الحياه براهين وآيات تدل على صانعها، ولم تسلك الطُرق الواضحة والبينة في فهم القوانين الإلهية وآياته في الكون وصولاً للحقيقة الإيمانية وصفاء الإدراك، إنهم فقط يتكلمون في العدمية الميتافيزيقية والأخلاقيه والوجودية وغيرها وهم يعيشون في الوجود نفسه بكل ما يحتويه!!

ولكن ليس كل فِهم يعد فِهماً إن لم يتعرف على طُرق الفهم الخاضعة للبحث والتحليل والتأمل والتفكُر المنهجي المتجرِد من الأهواء، وليس كُل عِلم يُعد عِلماً، فالعِلم نقيض الجهل، وكم من علوم أظلمت عقول أهلها، فكان الفهم الخاطئ، والفهم المريض عادة ما يعود لصاحبه، فالعلم يعني الإدراك والمعرفة أي الدراسات والمشاهدات والملاحظات ومن ثم اكتشاف الحقائق، قال الله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ).

وأيضاً تجد أغلب رواد المفهوم الإلحادي تعتليهم سطحية فاعِلة في قراءة الخطاب الديني، معتمدين في قياسهم على منهج ربط الدين بالأشخاص وطرق تطبيقهم له، ولم ينغمسوا في فهم الجوانب الثابتة للتشريع الإلهي.

والدين لا يقاس أبداً بالأشخاص وبالأخص الذين يشوهون تعاليمه ومفاهيمه بتصرفاتهم الحمقاء والخاطِئة.

إن ما يبنى عليه العقل والمنطق يحدد لنا حقائق أعجزت رواد التيار الإلحادي في إقناع العالم إقناعاً قطعياً بعدميتها علم الغيب - الموت - التفرد بخلق الكون بكل ما يحتويه وهو تحدي أزلي وقطعي من الخالق للمنكرين أن يثبتوا الضد.

فأين براهينهم التي تثبت العكس!

الحقيقة أنهم من عصر لآخر ل ايملكون سوى بيزنطية النقاش والهرطقات الفلسفية والتي هي أشبه بخرافات المُبصرين والمشعوذين الآخذين بأيدي العُميان إلى الهاوية.