استبكاني السيل إذ جرى

قال رجل من بني عامر: مطرنا مطراً شديداً في ربيع، ودام المطر ثلاثاً، ثم أصبحنا في اليوم الرابع على صحو، وخرج الناس يمشون على الوادي، فرأيت رجلاً جالساً حجرة، فقصدته، فإذا هو المجنون جالس وحده يبكي، فوعظته وكلمته طويلاً، وهو ساكت لم يرفع رأسه إليّ؛ ثم أنشدني بصوت حزين لا أنساه أبداً:

جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى وفاضت له من مقلتي غروبُ

وما ذاك إلا حين أيقنت أنه

يكون بوادٍ أنت فيه قريبُ

يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهى

إليكم تلقَّى طيبكم فيطيبُ

أظل غريب الدار في أرض عامر

ألا كل مهجور هناك غريبُ

وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى

إليَّ وإن لــم آته لــحبيب

فلا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر

حبيبـاً ولم يطرب لك حيبُ

إفحام

بينما كان كثير عزة مارّاً بالطريق يوماً، إذ هو بعجوز عمياء على قارعة الطريق تمشي؛ فقال لها: تنحي عن الطريق، فقالت له: ويحك! ومن تكون؟ قال: أنا كثير عزة. قالت: قبحك الله! هل مثلك ينحى له عن الطريق؟ قال: ولم؟ قالت: ألست القائل:

وما روضة بالحَزْن طيبةُ الثرى يمجُّ الندى جَثجاثَها وعَرارَها

بأطيبَ من أردانِ عَـزّةَ مَوهِنًا

وقد أوقدتْ بالمَنْدل الرطبِ نارَها

ويحك يا هذا! لو تبخر بالمجمل اللدن مثلي ومثل أمك لطاب ريحها، هلا قلت كما قال سيدك امرؤ القيس: وكنت إذا ما جئت بالليل طارق وجدت بها طيباً وإن لم تطيب فقطعته، ولم يرد جواباً!