عندما يُطلب من امرأة اتخاذ قرار ما أو البت في قضية تخص بيتها أو أي أمر من أمور حياتها، وترد بأنه لا بد من الرجوع لزوجها كي تتخذ قرارا صحيحا، فلا بد أن نحترمها ولا ننظر إليها على أنها امرأة ضيقة الأفق أو ذات شخصية ناقصة أو مترددة أو ساذجة ليس لها من أمرها شيء، إنما هي امرأة تحترم شريكها وتوقره وتجعل له مكانة في عقلها وفي حياتها، امرأة أحسن والدها تربيتها وقدمت لها أمها قدوة ومثالا لحياة أسرية سوية.

كذلك إذا رأيت رجلا يُسأل في أمر ما ويطلب الرجوع لاستشارة زوجته فإنه في مجتمعنا العربي تطلق عليه النكات ويلقب بعدد من الألقاب التي تحط من قدره كرجل، وأن امرأته هي من تتحكم به وبقرارته، ويغفل الجميع عن أن هذا الرجل من أعظم وأقدر الرجال على قيادة حياته الأسرية بل والاجتماعية، رجل يحترم من تشاركه الحياة وتشاركه الألم قبل الفرح والسعادة، فمن حقها أن تشاركه اتخاذ القرار والمشورة في كل كبيرة وصغيرة.

من تراه خيراً لأهل بيته كريما محبا عطوفا مقدرا طيب القلب كريما فهو خير الناس، لأنه يكون مع أهل بيته على طبيعته بعيدا عن التكلف والرياء الذي يلتحف به كثير من الرجال بل والنساء خارج أسوار البيت، وعندما يخطون عتبة بيوتهم يكونون أشخاصا آخرين، وعلى العكس تماماً هناك من يهرعون إلى بيوتهم كي يجدوا ملاذاً آمنا وجواً فيه ألفة وطمأنينة، أوجدوه هم قبل أن يعتاد عليه شركاؤهم بالحياة وأولادهم، يقدمون القدوة في استقامة الحياة لأولادهم، ويشكلون مجتمعا سوياً ربما وهم لا يدرون.

عندما يراك ابنك أو ابنتك تعامل والدتهم باللين والتراحم وتخصص لها وقتا للتشاور والحديث ورمي ما تحمل من هموم أمامها، لتذلل لك العقبات وتضع أمامك العديد من الحلول، وتجد نفسك رويدا رويدا تشارك أولادك ويشاركونك الرأي، تتناقشون ويرتفع صوت الأسرة في البيت، تتمازحون وتتسامرون، فأي خير بعد ذلك وأي حب بعد ذلك وأي سعادة تستطيع أن تفوق تلك السعادة.

أن تبني أسرة وتصلح مجتمعا وترفع من قدر امرأة فأنت بخير وفيك خير ولك كل الخير، وبالتالي تقدرك هي وتحترمك وترتفع مكانتك لديها، تحفظك في السر والعلن.

الارتباط أو الرباط الأسري من أسمى وأرقى ما في الحياة لا يعرفه كثير، بل ويجهل معانيه كثير ممن لم يتربوا على المعاني الأسرية، هم نتاج أسر لم تقدم لهم القدوة والنموذج السوي فاعتبروا أن مشورة الزوجة لزوجها ضعفا واستكانة وقهرا، واعتبروا مشورة الزوج لزوجته خنوعا وذلة وخللا في الرجولة.

ديننا دين تراحم وإعلاء للقدر والكرامة بين الناس وخاصة بين الزوج وزوجه أو أهله، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لصاحبه أو جاره أو زميله أو معارفه بل قال خيركم خيركم لأهله، لأن الخير مع الأهل والشريكة فيه صلاح تلك العلاقات وقوامها واعتدالها، فلا تلوموا من كان خيراً عطوفا على زوجه رافعا لقدرها بل ضاعفوا من احترامه واحترامها، لأنهما سوياً نواة مجتمعكم القويم وأساس أسركم الصالحة، وبذور أجيالكم السوية العارفة للدين والمحققة لتعاليمه دون مغالاة ولا تشويه.

بناء البيت والاهتمام بمحتوياته واختيار كل ركن فيه بعناية وترتيبه شيء هام، أما بناء من يعيشون فيه والاهتمام بكل تفاصيل حياتهم وتجميعهم من أصعب ما يكون، إن لم توجد القدوة في الأب أو الأم أو كليهما، ولكي تتحق القدوة لا بد أن تكون للبيت إستراتيجية وسياسات ونظما تضمن بقاءه بيتا وملاذاً، وأهم تلك السياسات المشورة والتصارح وأدب الحديث والاحترام والتراحم، وحفظ القدر لكل فرد من أفراد ذلك البيت، مائدة الطعام أو غرفة الجلوس هي نقطة الالتقاء ومصدر الطمأنينة والسعادة، المكان الوحيد الذي يفكر فيه أي من أفراد الأسرة إن وقع بمشكلة أو تعرض لموقف محرج، أو واجه عقبة أو عثرة في حياته.

الجميع يملك بيوتاً وقصوراً ولكن القليل من يملك الملاذ داخل تلك البيوت، القليل من يعرف كيف يدير تلك البيوت بكل سلاسة ودقة دون أن يتسبب في هروب أحد أفرادها بحثا عن الأمان والراحة النفسية والملاذ من مشكلات وهموم الحياة.

القليل فقط من يتحقق فيهم قول الرسول الكريم خيركم خيركم لأهله.

لا بد من الاهتمام بزيادة تلك النماذج، ولتزيد لا بد أن نحقق جميعا القدوة ونصلح ما أفسدته عادات مكتسبة ليست من عاداتنا، وهي أن يكون الرجل ديكتاتورا، عندما يدخل إلى بيته تخرس كل الألسنة ويختبئ الجميع في جحورهم كارهين لوجوده فرحين بمغادرته، وأيضا امرأة تهتم بنفسها ومناسبات عائلتها وطاعة عمياء لمن هم غير زوجها، غير مهتمة بتفاصيل حياة أبنائها معتمدة على خادمة أو مربية، لا تعرف من حقوق زوجها ولا أبنائها شيئا، فكيف لهؤلاء أن يكون فيهم خير؟

الاهتمام بالتوعية في مراحل ما قبل الزواج والاستشهاد بالنماذج المتوارثة السوية وبحياة الصحابة وأهل البيت وتاريخ الأجداد والجدات، الذين لم يكن لديهم شيء هام في الحياة أكثر من تربية الأبناء، وتقديم العون لهم والتشاور وحفظ كرامة وقدر من في البيت.

الدعوة هنا ليست للرجوع للوراء ولكن لأخذ النماذج والتعلم منها وأخذ الجيد والإضافة عليه، من أجل أن نصل بأسرنا ومجتمعنا لأرحب الأماكن وأعلاها، وجعل أسرنا العربية من أجمل النماذج التي يتعلم منها كل من يراها في ظل الانفتاح العالمي على الثقافات التي ساهمت فيها وسائل الاتصال السريعة، التي لم يعد ينفع معها إلا النماذج الصادقة والقويمة، التي لا بد وأن تعبر عن هويتنا وديننا وأسرتنا العربية.