خلال 90 عاما مرت على وطننا الغالي المملكة العربية السعودية الكثير من الأحداث التاريخية التي أثرت في التاريخ السعودي بل والإقليمي والدولي، والتي يصعب علي في هذا المقام سردها فضلا عن إيرادها بشكل مفصل، وربما سنحت لنا الفرصة في قادم الأيام لتناولها سواء في مقالات متتابعة أو ببحث علمي يتناولها بإذن الله تعالى، ولكن من أهم الأحداث التي يجب أن تكون أساسا لمقالي هذا هو حادثة اكتشاف النفط عام 1938 في بئر الدمام، التي أسماها الملك عبدالعزيز فيما بعد بئر الخير، ولنرجع قليلا للنظر فيما قبل اكتشاف هذه البئر فقد بقيت السعودية منذ إعلان تأسيسها على يد الملك المؤسس تعاني قلة الموارد المالية في بلد صحراوي أقرب ما يكون لقارة بلا مصادر مياه ولا مزروعات ولا بنية تحتية، مع انعدام التعليم وسيادة الفقر، الأمر الذي أنهك الدولة الفتية.

لم يكن أمام المؤسس إلا أن يحاول اكتشاف البترول الذي لمس كيف ساهم في تنمية الدول المجاورة، فطلب قرضاً من الحكومة البريطانية قدره نصف مليون جنيه إسترليني للاستثمار في الاكتشافات النفطية، خاصة أن هناك دراسة أعدها جيولوجي أمريكي يدعى كارل تويتشيلتشير، تشير إلى احتمال وجود النفط بكميات تجارية في أراضي المملكة، إلا أن البريطانيين أوصدوا الباب ورفضوا المقترح.

اتجه الملك عبدالعزيز سريعا نحو الأمريكان فوقع عام 1933 اتفاقية امتياز مع شركة نفط أمريكية، وظلت الشركة تحاول الوصول إلى مكامن النفط دون جدوى حتى صيف 1936، عندما بدأ الحفر في البئر رقم 7 الذي واجه العديد من الصعوبات، وفي تصرف مفاجئ استدعت الشركة كبار مهندسيها إلى سان فرانسيسكو للاجتماع مع مجلس الإدارة للبت في موضوع الانسحاب بعد ارتفاع تكاليف التنقيب والنتائج المخيبة، إلا أن المفاجآت السعيدة أبت إلا أن تحضر، ففي 3 مارس 1938، اليوم الذي اجتمع فيه مجلس الإدارة لاتخاذ قرار بشأن الانسحاب وصلت برقية عاجلة تخبرهم بأن البئر رقم 7 انفجرت بالبترول، وأن الإنتاج يصل إلى 1600 برميل يومياً، بعدها بأيام وصل إلى 4000 برميل يومياً، لقد غيرت تلك البئر وجه التاريخ ليس في السعودية فقط بل وفي العالم أجمع.

لقد بذل حكام هذا البلد وزعماء هذه الأمة منذ عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله - رحمهم الله رحمة واسعة- الكثير في سبيل رِفعة هذا الوطن ورغد عيش المواطن وحماية مقدراته والدفاع عن قضايا الأمة، ويستمر هذا البذل وهذا العطاء في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود- أيدهما الله بنصره - في الرقي بالوطن والمواطن والسعي برؤية بعيدة النظر للحفاظ على الوطن والمواطن، وتنويع مصادر الدخل وقطع أيادي الفساد وحفظ ثروات الوطن، في ظروف تاريخية صعبة وأعداء متربصين بهذه الدولة وقيادتها وشعبها، وانتصارات متوالية في جميع الأصعدة تجعل، ذكرى اليوم الوطني السعودي التسعين ذكرى جميلة بطعم الانتصار وقهر الصعاب، لقيادة وشعب تبلغ هممه في حجمها وقوتها وصلابتها جبل طويق، تلك الهمة التي تمثلت في كلمة سمو ولي العهد حفظه الله عندما «شبه همة السعوديين بجبل طويق، ولن تنكسر إلا إذا انهد هذا الجبل وتساوى بالأرض»، هكذا قال الأمير محمد بن سلمان، شبه همة السعوديين بهذا الجبل الضخم الذي لا يختفي أثناء مشاهدته حتى مسافة 800 كلم، مشكِلاً هلالاً جبلياً يبدأ من الزلفي شمال الرياض ليندفن في الربع الخالي بالقرب من وادي الدواسر.

هذه الهمة التي تمثلت في رؤيته المباركة والنهوض بالوطن أرضاً وإنساناً، وتنويع مصادر الدخل واستثمار النواحي الطبيعية والجغرافية التي تميز المملكة العربية السعودية في إطلالتها على البحر الأحمر أو في مصايفها الجنوبية بل والصحراء، لتكون تلك المشاريع الضخمة الواعدة بإذن الله نقلةً نوعية تاريخية سيكون لها أثرها العميق في استمرار الدور القيادي لهذا الوطن الغالي الكريم، فكما كانت بئر الدمام بداية تغير اقتصادي وتنموي مؤثر في تاريخ الوطن بل والتاريخ الإقليمي والدولي فكلنا على ثقة لاحدود لها بأنه بإذن الله ستكون رؤية 2030 التي تبناها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رؤية ناقلة لهذا الوطن الأشم إلى مرحلة جديدة تاريخية، تزيد وتعظم الدور القيادي لزعامة هذا الوطن وشعبه، ممثلاً في قيادته الحكيمة للأمتين العربية والإسلامية بل والزعامة الدولية.

إن الذكرى التسعين لليوم الوطني السعودي والتي تؤرخ لمرور تسعين عاماً منذ إعلان توحيد أجزاء واسعة من الجزيرة العربية باسم أجمع عليه المواطنون وطالبوا مليكهم وموحدهم الملك عبدالعزيز، كما حفظت ذلك الرسائل التاريخية من مشايخ وأعيان ومواطني هذا الشعب الوفي العظيم لقائدهم العظيم الملك الموحد عبدالعزيز، التي تضمنت المطالبة بتسمية وتوحيد أجزاء الوطن بمسمى جامع موحد لأجزائه، فكان الاسم هو المملكة العربية السعودية الذي كان إعلانه هو تلبية لرغبة المواطنين وتحقيقاً لمصلحة الوطن.

تأتي هذه الذكرى الوطنية وهي تثبت أن الدولة السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، في هذه المرحلة هي دولة شابة متجددة محطمة نظرية الدولة عند ابن خلدون وما ذكره في تحديد أعمار الدول، لقد انكسرت هذه النظرية في التجربة السعودية الفريدة من نوعها المتميزة في جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والعلمية والإدارية والقانونية والسياسية والعسكرية، والمحافظة على الثوابت الإسلامية الدينية والعادات والتقاليد الأصيلة في تاريخها وقيمها.

فما نلمسه ونجده في ذكرى اليوم الوطني السعودي التسعين هو كما ذكرت ولادة عهد جديد شاب متطلع شعلة من النشاط والهمة التي تبلغ القمة.

نعم إن وطننا بقيادته الرشيدة تمر به ذكرى اليوم الوطني بروح مفعمة بالحياة والتفاؤل، وليست بروح متثاقلة أثرت في سنوات العقود التسعة، بل أتت بروح شابة وثابة متجددة مثابرة متوقدة، متمثلة في شخص ولي العهد الأمين، وكلنا نعقد الآمال الكبار بإذن الله على نجاحها وانتصارها وتحقيق أهدافها الطموحة، فلهذه القيادة الرشيدة صادق الولاء وخالص الدعاء، وكما كان أسلافنا باذلين لدمائهم تحت راية التوحيد بقيادة الملك الموحد، فنحن على العهد باقون وللبيعة مجددون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان آل سعود، حفظهما الله وأيدهما بنصره.

ما زلت أتذكر كلمات والدي الشيخ عبدالله بن علي جفشر الحنيش -رحمه الله-، التي تصف مشاهد الحزن والخوف والرهبة بعد وفاة الملك عبد العزيز -رحمه الله-، التي عمت أفراد الشعب السعودي بجميع فئاته، خوفا من انفلات عقد هذا الوطن الشامخ وما كان ذلك إلا لاستشعار الجميع ما قدمته القيادة من أمن وأمان وحياة كريمة نعم بها المواطنون، وما زلنا ولله الحمد والمنة ننعم بها. فلا بد لنا من أن نستشعرها ونعلمها أبناءنا، ونكون لبنات صالحة في هذا الوطن، صادقة في الانتماء مخلصة في الولاء، والقلب قبل اللسان يدعو الله أن يحفظ هذا الوطن قيادة وشعبا وأرضا وسماء.