يعد عام 2020 عاما استثنائيا يكاد يكون عنوانه الرئيس «عام الانهيارات» لكثير من الأنظمة سواء الصحية أو الاقتصادية أو الأخلاقية بسبب جائحة كورونا، هذا الوباء الذي امتحن قوة وقدرة الأنظمة العالمية على التعامل معه بما لا يؤثر بشكل سلبي كبير على كيانها ومواردها، وقلة من استطاع الصمود وخوض هذه المعركة التي مازالت رحاها تدور دون خسائر فادحة.

يأتي اليوم الوطني السعودي التسعون لهذا العام أثناء سلسلة من الأحداث الاستثنائية التي مر بها العالم كافة ولكنه على عكس ما حدث لدى الكثير من الدول من تلك الانهيارات فهو عام تحد وإنجازات قياسية. يتضح هذا الأمر من خلال عدة أحداث شهدتها المملكة العربية السعودية خلال جائحة كورونا، وعلى رأسها نجاح موسم حج هذا العام الذي استطاعت القيادة الحكيمة أن تقنن أداءه استثنائيا، بجعله متاحا لعدد محدود من الحجاج من مختلف الجنسيات من المقيمين في المملكة العربية السعودية فقط، فرضت خلال مناسكه وحتى انتهاء موسم الحج بالكامل عدة إجراءات صحية احترازية ووقائية تطبق على الحجاج خلال تأدية المناسك. فقامت المملكة العربية السعودية بهذه الإجراءات الصارمة لحج موسم هذا العام بإحياء شعيرة الحج المقدسة، مع الحد من تفشي فيروس كورونا حول العالم إذا ما أقيم الحج بذات الأعداد السابقة التي تفوق المليوني حاج من مختلف أنحاء العالم، وهو نجاح مستمر لنجاحات المملكة الدائمة في إدارة موسم الحج بكل ما يحمله من احتمالات وخدمة حجاج وزوار بيت الله الحرام.

لقد طال الانهيار الاقتصادي كثيرا من الدول وعلى رأسها الدول الكبرى كأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي التي لن تجتاز هذا التعثر الذي حدث بسبب وباء كورونا لعامين قادمين على أقل تقدير، كما أفاد صندوق النقد الدولي الذي يتوقع خسائر اقتصادية عالمية تفوق الـ 12 تريليون دولار. والمملكة لن تكون بطبيعة الحال استثناء من بين الدول بتأثرها بهذه الجائحة، لهذا كانت القيادة تتعامل بشفافية مع المواطنين وتصرح من خلال وزير المالية أكثر من مرة بأن اقتصاد المملكة سيتأثر نتيجة للإغلاق في عدة قطاعات رئيسية في اقتصاد المملكة، وعلى رأسها قطاعا الحج والعمرة والنفط المتأثر بتراجع الأسواق العالمية، وأن الناتج الاقتصادي المحلي سيتأثر أيضا بهذا التراجع المحلي والعالمي الذي احتاج خطوات صارمة للضبط المالي وأوجه الإنفاق الاقتصادي الداخلي. هذه الشفافية لم تمنح الاقتصاد السعودي الثقة لدى المواطن، فحسب بل امتدت لقطاعات الأعمال والاقتصاد العالمية التي أشادت بها، خاصة وأن المملكة حرصت في خضم هذه الضوابط على حماية أجور العاملين في القطاع الخاص ودفع مرتباتهم لثلاثة أشهر حتى لا تؤثر الجائحة بشكل مباشر على دخلهم.

لقد نال القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية الاهتمام الأكبر منذ بدء جائحة كورونا مع مطلع هذا العام ولا زال حتى اللحظة، وكان مبدأ الشفافية والوضوح والصرامة في تطبيق الإجراءات الاحترازية هو منهج القيادة أيضا، والذي ساعد بعون الله على التعامل مع الأزمة بخسائر أقل وثقة وطمأنينة أكثر محليا وعالميا. فمنذ البدء أعلن الملك سلمان حفظه الله أن حق العلاج مكفول لجميع من يقيم على هذه الأرض المباركة من مواطنين ومقيمين، الذين يملكون إقامات رسمية أو لا يملكون، جاعلا الإنسانية معيارا للتعامل مع الجميع في ظل هذه الأزمة. وهذا دفع لاتخاذ مبادرات أخرى لا تقل صرامة في تحسين ضوابط سكن العمال من المقيمين والتعامل السريع مع العشوائيات والتكدسات السكنية غير النظامية، مما يدفع لضبط الأوضاع الصحية للوافدين وضمان أكبر للمستثمرين المستقبليين. منح حق العلاج المجاني للجميع وإجراءات الفحص الدقيقة والمكثفة في كل أنحاء المملكة مع الضوابط الاحترازية من حظر جزئي أو كلي وتباعد اجتماعي وغيرها، أدت للسيطرة التي نلمسها حتى اليوم على تفشي فيروس كورونا وانخفاض منحنى الإصابات اليومي مع ارتفاع معدل الشفاء بشكل ملحوظ.

وبينما تجابه السعودية العظمى الوباء من جهة فهي تتقدم اقتصاديا وثقافيا ومعرفيا من جهة أخرى، ففي نهاية شهر أغسطس الماضي أعلن وزير الطاقة السعودية عن اكتشاف حقلين جديدين للزيت والغاز في المنطقة الشمالية من المملكة. وأعلنت وزارة الثقافة عن اكتشاف أثري مهم لأقدام بشرية وحيوانية يعود تاريخها إلى أكثر من 120 ألف سنة كأقدم وجود للإنسان في الجزيرة العربية، وتستمر في محاربة المفسدين والمجرمين ومن يحاول أن يمس أمن وسلامة هذا البلد، وتسير بثبات وثقة في منظومة متسقة بسن أنظمة وقوانين تحفظ حقوق الإنسان، وتعمل على تمكين حقيقي وفاعل للمرأة السعودية، وتحقق الخطط والأهداف التي ترسمها للغد مهما كانت العقبات التي قد تعترضها.

كل هذا يحدث وهي تقود العالم بجدارة في مجموعة العشرين العالمية، وتعمل بجميع لجانها العاملة في هذه المجموعة دون توقف لدعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العالمية البناءة، ومواجهة التحديات العالمية ورسم اقتصادات مستدامة ومتفقة مع احتياجات القرن الحالي وفرصه.

حريٌ بنا أن نحتفل بكل فخر وحب هذا العام باليوم الوطني السعودي في عامه التسعين من عمر هذا الوطن المديد والعامر بالعزة والشموخ الذي بناه المؤسس الملهم جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، وتعاقب على نمائه ورفع رايته عاليا بين دول العالم أبناؤه الملوك، وأن نزداد فخرا وشموخا ونحن نعيش عصرا من التميز والعطاء وتسارع عجلة التطور والتمكين والتغيير الإيجابي بما يناسب الوضع العالمي، في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان، حتى أصبحنا في مصاف الدول المتقدمة بجدارة وثقة في كافة المجالات، تقدما يحملنا مسؤولية العطاء والإخلاص لهذا الوطن وقادته، والعمل بصدق ومحبة تستحقها هذه الأرض الطيبة ومن عليها.