في عالمنا المتسارع، شهد سبتمبر من العام الجاري عددا من التحولات السياسية. انطلاقاً من دخول الإمارات العربية المتحدة في اتفاقية سلام مع إسرائيل، وانتهاءً بخطوة بحرينية مشابهة. امتلأ العالم بالضجيج. ما أريد الخوض فيه هذا اليوم، التساؤل عن الأطراف التي استفادت من القضية الفلسطينية وحققت مكاسب سياسية واجتماعية على صعيدها الداخلي على مدى سنوات.

وبوضوح أكثر، أريد الحديث عن الاختراقات التي شهدها ملف القضية الفلسطينية، لا سيما في غضون عشر السنوات الماضية من أطرافٍ لم تقدم للقضية أكثر من الشعارات المزيفة.

يبرز لي وبالمعنى الواضح والصريح، كيفية تحول ملف القضية إلى أحد أهم الرافعات السياسية التي استفادت منها جمهورية ولاية الفقية. وهي التي تنتفي عنها صفة الدولة، باعتبارها تتبنى الفكر الثوري بالقول والعمل. بل وتسعى لتعميم ذلك المفهوم في محيطها وعلى مرأى ومسمع العالم بأسره. ثمة براهين لا يمكن إنكارها، تؤكد أن الجمهورية الإيرانية تتبنى زرع الفتن والاقتتال الطائفي، وتسعى في مقابل ذلك إلى القفز على القضية الفلسطينية ومناصرة الشعب الفلسطيني، في شكلٍ من أشكال التناقضات السياسية الفاضحة. بمناسبة الحديث عن إيران، والسؤال المشروع كيف خدمت جمهورية ولاية الفقية القضية الفلسطينية.. وبماذا؟ أعتقد لا شيء.

هذا من جانب. ومن جانبٍ آخر، يملأ العصملي في تركيا الدنيا صُراخا وخطبا رنانة وشعارات غير مجدية، وتفتح في حينها جمهوريته أحضانها للإسرائيليين، وبلغت في ذات الوقت أقصى حدود العلاقة الحميمية من الناحية السياسية والاقتصادية مع إسرائيل. ولا ينتهي المُتبجحون بالقضية عند هذا الحد. ما إذا نظرنا إلى أنه حتى حزب الله الغارق في دهاليز الدم السوري ودعم الطائفية، لا يتوانى عن المتاجرة بالقضية ويضعها أحد أهم أهداف ما يُسمى «مقاومة»، لا تملك من مقومات ذاك المعنى إلا الاسم والشعار لا أكثر. بل حتى دويلة «شرق سلوى» التي دخلت منذ التسعينات في علاقات واضحة وعلنية مع إسرائيل، باتت على الجانب الآخر من الخارطة السياسية للمنطقة، واندفعت نحو محور الانحراف والتطرف الديني والسياسي، الذي يقوم على روافع إيرانية وتركية، ولا تقف عند دعم طرفٍ فلسطيني على حساب طرفٍ آخر، بل تعمل على إذكاء الفتنة فيما بين الإخوة، ما أسهم في مزيد من الفرقة والتشظي السياسي والاجتماعي. يُستخلص مما سبق، أن الجانب الفلسطيني في المساحة الخطأ من التاريخ. فالقيادة الفلسطينية لا تستطيع جلب أطراف فلسطينية للطاولة؛ فكيف لها تحقيق انتصار أو مكاسب في المفاوضات المعطلة في أساسها مع الجانب الإسرائيلي. لذا كان الصراخ في رام الله وقطاع غزة على قدر المكسب السياسي الذي تحقق على يد أطرافٍ خليجية، تسعى بالدرجة الأولى إلى إعادة القضية لخطها الطبيعي، الذي يخول التعامل معها كملف سياسي قابل للتفاوض، ولقطع الطريق أمام المزايدات والنفاق السياسي، الذي تتعامل به تركيا وإيران وحزب الله ودويلة قطر مع ملف القضية. أزعم وأراهن على أن دول الخليج ستعمل على تحريك الجمود الذي ساد ملف المفاوضات بين الأطراف العربية والإسرائيلية.

فاتفاقيات السلام المبرمة مع الجانب الإسرائيلي يجب النظر إليها كعامل تحصينٍ للحوار بين العرب والإسرائيليين، للخروج بحل مستدام يخدم الحياة الطبيعية بين جميع الأطراف، ويُخرج الأمة من حالة التأزم الذي تعيشه المنطقة.

في نهاية المطاف أستطيع القول إن التعايش والسلام هو السبيل الأوحد لمواجهة آفة التطرف المدعومة من إيران وتركيا وقطر وحزب الله وحماس.

تلك عوامل خطرة تستدعي وقوف الجميع وقفةً واحدة، مع مراعاة أن دول الخليج لن تهمل قضاياها المحلية على حساب أي ملف آخر.

فالإنسان الخليجي بات مُتطلعاً لنهضة دوله ووضعها في قوائم العالم الأول. والركض وراء قضايا تشهد مزايدات من المعنيين بها مضيعةً للوقت والجهد. والتاريخ لن يرحم. يبقى عليّ أن أقول إنه بالنظر إلى تلك الأطراف المذكورة آنفاً، يتبادر إلى ذهني المثل المعروف «لك أعداء، ولكنك لست عدواً لأحد».

هذا هو حال دول الخليج. مأكولون مذمومون. ولهم الله.