بالهمم تُبنى الأوطان وبالإرادة تتحقق الطموحات وبالعزيمة تُحصد المنجزات، الوطن هو الكيان الفريد الذي تلتقي عنده الأفئدة، وتجتمع في كنفه العقول وتجتهد من أجله الطاقات وتشحذ له الإبداعات وتفدى له الأرواح برضا وامتنان، الوطن هو المظلة التي يستظل تحتها المواطنون لينعموا بأمنه ورعايته، وهو الدرع الذي يحميهم من غوائل الزمان والمكان، وهو الجدار المنيع الذي يصد عنهم النوائب ويستندون عليه في الشدة، وهو الفضاء الذي يحتويهم والبيت الذي يحتضنهم في الرخاء والوفرة، الوطن يعني أهلك وعزوتك وسندك الذي ترتكز عليه في صحوك ومنامك، في ضعفك وقوتك في حلك وترحالك في غربتك وفي إقامتك، هو من يضمك تحت جناحيه دون كلل أو ملل، هو من يحملك على أكتافه ليفخر بك ويزهو ويعتز بمواطنتك وانتمائك وعطائك، وطنك هو من يباهي بك الأمم وينافسها في بنائك ورعايتك.

المواطنون هم درر الوطن وأحجاره الثمينة وهم نتاجه وحصاده، هم ثماره اليانعة وأرضه الخصبة، هم جباله التي تدعمه وتلاله التي يستند عليها في الرخاء، وهم صخوره التي يدافع بها عن كيانه، وهم سهوله التي يزرعها ويستثمر فيها نبته، هم سفينته التي يبحر بها في خضم البحار العميقة بما تخفيه من كنوز ومصاعب، المواطنون هم سلاح الوطن وسيفه النافذ وهم صوته ونبراته وكلمته التي تذود عنه وترفع رايته، هم صورته التي تتجسد في سلوكيات وتصرفات مسؤولة، المواطنون هم مرآة الوطن ونموذجه الإنساني، هم السلعة الثمينة التي يبنيها الوطن لتكون له زخراً حاضراً ومستقبلاً.

عندما نحتفل بيومنا الوطني فنحن نستعيد يوم الوحدة والإخاء يوم البناء والنماء، لنحتفي بمسيرة وطن اجتمعت أطرافه وقبائله وسكانه في دولة واحدة متجانسة، نحتفل بقادة تعاهدوا على كلمة الحق لتكون نبراسهم وشعارهم، نحتفي بجهود بذلت ودماء أريقت لتكون الوحدة تاجها والتعاضد والعدالة سمتها، والتسامح والاحتواء مسعاها ومبدؤها، فكان الازدهار نصيبهم والسمو شعارهم والإيمان بالله منهجهم.

في عيدنا الوطني نجدد العهد والثقة والولاء لقيادة ترعانا بحكمة واقتدار، ولوطن يحتضننا ببذله وعطائه في الرخاء والشدة، احتفالنا بيومنا الوطني ليس كغيره من الاحتفالات الشكلية، احتفالنا معنوي في سمته عميق في مغزاه يحمل في طياته الكثير من المفاهيم الوطنية؛ هو تذكير بتاريخ يُسطر قصة ملحمة وطنية مشرفة، تسلسلت روايتها وأحداثها عبر عقود من الزمن، ليتوالى فرسانها البواسل قيادتها، متوارثين الهمة والعزيمة في تشارك المسؤولية وتحمل الأمانة الوطنية، للمضي قدماً نحو استمرار مشروع النماء والبناء لمسيرة وطن بسؤدده وشموخه، لتظل رايته خفاقة عالية تنادي بروح العقيدة التي تزينها، وبمفهوم التوحيد الذي تنتهجه، لتجمعنا تحت لوائها كالبنيان المرصوص.

أن نحتفي بيوم الوطن في عيده السنوي، يعني احتفاؤنا بقيم إنسانية سامية ومعاني نبيلة ملؤها المحبة والوفاء والإيثار، قيم حضارية تدعو للتسامح والاندماج، لنبذ الاختلافات الشكلية والابتعاد عن التناحرات الطائفية والعنصرية المقيتة، التي تفتت أوصال اللحمة الوطنية وتضعف من تماسكها، فيسهل اختراقها ويُتمكَّن المتربصون من تشتيت طاقتها وبعثرة قوتها.

المواطنة ليست شعاراً ننادي به أو مقولة نرددها ونتشدق بها، كما أنها ليست جنسية تميزنا أو انتماء ننادي به، وإنما المواطنة أفعال وسلوك وإخلاص وأمانة وإتقان في القول والعمل، المواطنة تعني أنك جزء من هذا الكل الذي يحتضنك، وأن من أصاب وطنك بسوء ليضره سيلحقك أنت ضرره، وأن نماءه وازدهاره ورقيه ورخاءه، سينعكس عليك أنت في حاضرك ومستقبلك، المواطنة تعني أن تحافظ على مقدرات الوطن جميعها، لأنها مقدراتك أنت وإخوانك المواطنون، والوطن الذي تعيش على أرضه وتحت سمائه، المواطنة تعني الانتماء لأسرة الوطن التي تربيت وترعرعت في خيرها وتنفست هواءها وتغذيت من نتاجها، المواطنة هي إيمانك بحق الوطن عليك وواجبك نحوه، وهي ولاؤك لتربة رعَتك ولأرض لْمّتَك ولسماء حمتك واحتوتك، المواطنة تعني بذلا وعطاء غير محدود، وأن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، المواطنة تعني الإيثار والتضحية والاندماج في قالب واحد لتحقيق أهداف مشتركة.

بالهمم المتوقدة والعمل الدؤوب والمشاركة في المسؤولية الوطنية؛ سنرتقي إلى القمة وسنقطف ثمارها التي ننشدها وسننال مزيدًا من المجد والمكانة المستحقة، بعد أن وثقت المملكة بقيادتها نموذجا حياً ورائداً في إدارة المحن والكوارث وفي التعاون الدولي والإقليمي وفي الدعم الإنساني اللامحدود دون تمييز في عرق أو دين أو طائفة، حتى أصبحت السعودية وطنا لكل الأوطان؛ فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.