حُكي عن نابغة بني ذيبان أنه كانت تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء فدخل إليه حسانُ بن ثابت، وعنده الأعشى، وقد أنشده شعره، وأنشدته الخنساء قولها:

قذى بعينك أم بالعين عوار ** أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار

حتى انتهت إلى قولها:

وإن صخراً لتأتم الهُداةُ به ** كأنه عَلَم في رأسه نارُ

وإن صخرا لمولانا وسيدنا ** وإن صخرا إذا نَشتوُ لنحَّارُ

فقال: لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس. أنتِ والله أشعرُ من كل أنثى! قالت: والله ومن كل رجل.

فقال حسان: أنا والله أشعرُ منك ومنها. قال: حيثُ تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:

لنا الجفنات الغُر يلمعن بالضحا ** وأسيافُنا يقطرن من نجدة دما

ولدنا بني العنقاء وابنى محرق ** فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا أبنماَ

فقال: إنك شاعر لولا أنك قلت: «الجفنات» فقللت العدد، ولو قلت:

«الجِفان» لكان أكثر. وقلت: «يَلمعن في الضحا» ولو قلت: «يبرقن بالدُجا» لكان أبلغ في المديح؛ لأن الضيف بالليل أكثرُ طروقاً، وقلت: «يقطرن من نجدة دما» فدللت على قلة القتل، ولو قلت: «يجرين» لكان أكثر لانصباب الدم، وفخرت بما ولدت، ولم تفخر بمن ولدك.

فقام حسان منكسراً منقطعاً!