نشعر في حياتنا أحيانا أننا أمام مفترق طرق، ولا ندري ما سوف تكون عليه خطواتنا التالية، ليس لأن الأمر في يدنا، فقد يكون في يد غيرنا، ونحن لا نعلم ماذا سوف يكون قراره! في مثل هذه الأوقات غالبًا ما يستيقظ المرء ليعيد حساباته، وينظر من خلال أعين جديدة ويتأمّل ما يحدث حوله، والأهم من ذلك ما يحدث في داخله!

الزمن يمر ويتغير، الناس لا تبقى على ما هي عليه، بل تتغير، والظروف تتغير أيضا، ما كان ينجح في الماضي ليس من الضروري أن ينجح اليوم، وبالمقابل أيضا ما فشل في الماضي ليس من الضروري أن يفشل اليوم! التغيير من سنن الحياة، ويحدث من جيل إلى آخر، ليس كيومنا هذا من شهر إلى آخر، إن لم يكن من أسبوع إلى آخر! ما يجب علينا هو أن نفهم دروس الماضي لكي تساعدنا على الإبحار في عالم الحاضر بحكمة وفطنة إن نحن أدركنا ماهيتها وحللناها لكي نتمكن من التعامل مع ما هو آتٍ ومقبل، لكن أليس من المطلوب منّا هو الانتباه قبل وقوع الأمر من تعطيل أو تحدّ أو مفترق طرق؟ نعم، ومع ذلك، عندما ندرس الطبيعة البشرية عبر الأجيال الماضية، والمنعكسة في سلوكياتها وتصرفاتها، نجد فيها نمطا يتكرر؛ نجد أن الكثيرين منا يتردد في اتخاذ قرارات حاسمة وقد تكون حيوية حتى يفوت الأوان، ويجدون أنهم أمام واقع جديد كان من الممكن تفاديه أو التعامل معه بحكمة وذكاء! لا نقرر الالتزام بالدواء حتى يستشري المرض في أجسادنا، ولا نبدأ بالحمية أو الرياضة حتى تدق كل أجراس الخطر، وحينئذ قد لا نسمعها، وقد نصر على الإنكار والتجاهل! لا نفكر في حل سوء الفهم أو نوضح الاختلاف في الرأي إلا عندما نفاجأ بالخصام أو الانفصال أو حتى الهجوم! لا نفكر في الحوار مع أبنائنا إلا بعد أن نراهم يغرقون، بل لا نفكر في مشاعر شريك الحياة إلا بعد أن تكون الفأس قد وقعت في الرأس كما يقول المثل الشعبي! وماذا كنا نفعل قبل كل ذلك؟ كنا نقوم بإخفائها في زوايا النفس؛ تماما كما تقوم الكسولة بإخفاء غبار الغرفة تحت المقاعد أو خلف المساند! وهل بهذا يختفي عن الوجود؟ أم يزداد ويكثر مع مرور الزمن حتى تفاجأ بأنها لا تستطيع أن تزيد عليه ذرّة ملح، وهنا يكون قد فات الأوان ولا يمكن إخفاء الأمر أكثر من ذلك، ولربما أصبح حينها من الصعب التعامل مع المشكلة، بينما كان من السهل لو أن المرء تنبّه إليها بادئ الأمر وتصرف بحكمة!

ما هو التصرف الأفضل والأجدى؟ في مثل هذه الحالات، أو لكي نتفادى حدوث مثل هكذا تحديات أو عقبات، نحتاج إلى تطبيق نظام تحكّم يساعدنا عند تطبيقه على تنظيم حياتنا اليومية ومراقبتها من حيث العلاقات والعمل وحتى الروحانيات! فمن خلال المراقبة المستمرة للذات، بل محاسبتها، من المحتمل أن نجد صعوبات محتملة تتخمر لتنضج وتنفجر في وجوهنا في قابل الأيام، ومن خلال ذلك أيضا يكون التعامل معها بالتأكيد أسهل قبل أن تصبح كبيرة، وربّما تصبح مستعصية على الحل، وعليه فالتعامل معها مبكرا لا يحمينا من المفاجآت فحسب، بل قد يساهم في زيادة الإنتاجية من خلال المجالات التي لدينا في قدرات سابقة والقيام على تقويتها ودعمها.

عن أي نظام أتحدث؟ عن نظام بسيط، وقد تكون الغالبية قد تعرفت عليه من خلال دورات تنمية الذات، أو اطلعت عليه في مواقع التنمية البشرية، أو ربما تقوم بتطبيقه فعلًا، ولكن على نطاق ضيق وبشكل متقطع؛ وهو عبارة عن أربع خطوات: تبدأ بالتفكير أو تصور حياتنا كما نحب أن تكون بعد سنة، والأفضل بعد ستة أشهر لأن تغيرات الحياة من حولنا تحدث بسرعة ولا نكاد نلحق بها! أما الخطوة التالية فهي في أن تبرم اتفاقا مع ذاتك بأن تبذل كل ما في وسعك من جهد حتى تحقق هذه الصورة، هل هذا يكفي؟ لا أظن، فبدون مخطط سير نتسمّر في مكاننا وتمر الأيام ونحن في حيرة من أمرنا، لا نعرف من أين نبدأ وكيف وبماذا؟! وبالتأكيد لا ننسى من بيده كل شيء، سبحانه، وعلينا أن نتوكل عليه ونطلب منه القوة والعون لكي يتفضّل علينا بالمزيد من الصبر والجلد، إضافة إلى فتح الطريق وإنارة البصر والبصيرة.

خطوات قد تبدو بسيطة، ولكنها تحتاج إلى التزام وإرادة وصبر إلى أن تصبح عادة لدينا وطبعًا فينا، خذ من وقتك بضع دقائق في نهاية كل يوم، وقم بمحاسبة ذاتك: ما الذي أنجزته اليوم؟ هل أنجزت الجزئية التي أحتاجها في هذا الوقت للوصول إلى الهدف؟ هل كان هنالك تقصير أو خلل؟ ما الذي أحتاج أن أفعله حتى أصلحه؟ وكيف سأتصرف؟ ما الذي قمت به وكان له تأثير إيجابي أو قوي؟ ما الذي أحتاجه لكي أدعم هذا الأمر وأرفع من نسبة قوته بشكل يدفع مسيرة الهدف ويختصر مسافة الوصول إليه؟ هل كسبت فرصة، معرفة، علاقة، مادة، مكانة؟ أم هل خسرت؟ وأخيرا؛ ما الذي أحتاجه لكيلا يتأخر تقدمي؟

تذكر هنا ـ أيها القارئ الكريم ـ وتذكري ـ أيتها القارئة الكريمة ـ أنني أتحدث عن محاسبة الذات، لأن محاسبة الروح أمر آخر، ويحتاج إلى مقالة أخرى لكي نخوض في حيثيات أهمية محاسبة الروح وماهيّتها، ولكن المراد هنا هو الذات، فقم بتدريبها على التفكير (وضع أهدافا) والتخطيط (بناء إستراتيجية تنفيذ) والتقويم (محاسبة وتدقيق وتصحيح مسار)، تُفعّل بثلاث خطوات لا تأخذ منّا أكثر من خمس دقائق في نهاية كل يوم لكي نستعد ولا نفاجأ بمفترق طرق أو بعقبة أو بتحدّ أو بمشكلة ونستيقظ لنقول: ترى أين كان الخلل؟!