بمنتهى الوضوح، وبكلمات قاطعة لا لبس فيها، وأدلة ساطعة لا تقبل التشكيك أوضح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - للعالم أجمع مقدار الخطر الذي يمثله النظام الإيراني المارق على الأمن والسلم الدوليين، والخطورة التي تنطوي على أسلوب التهوين وغض البصر الذي تتبعه بعض الدول والمؤسسات الدولية مع نظام الملالي، محذرا من أن العالم قد يندم على ذلك في القريب العاجل، داعيا إلى اتباع أسلوب أكثر صرامة وأشد حزما لمنع طهران من مواصلة سياستها التدميرية التي تقوم على تغذية المنظمات المتطرفة بالأسلحة وأدوات الموت. كما طالب بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن تكون خطرا داهما يهدد منطقة الشرق الأوسط والعالم برمته.

الكلمات التي خاطب بها الملك الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي عقدت خلال الأيام الماضية كانت في غاية الشفافية وهي تشرح الوضع بدقة متناهية، وتحدد وجه الخطر، وتضع خريطة طريق واضحة المعالم لما ينبغي السير عليه، حيث أكد أن ما تمارسه طهران هو «إيديولوجيات تسعى في كثير من الأحيان لتغطية تطرفها وطبيعتها الفوضوية التدميرية بشعارات سياسية زائفة». إضافة إلى نشرها للطائفية وتأجيج الخلافات المذهبية البغيضة، وتجييشها للميليشيات المسلحة التي أعاقت التوصل إلى سلام في كثير من دول المنطقة.

كان لافتا الربط الدقيق في كلمات الملك سلمان بين الإرهاب واشتعال الخلافات الطائفية من جهة أخرى، وهو ما يؤكد الفهم العميق والإدراك الواعي للمشكلات التي تمر بها المنطقة، فالتنظيمات المتطرفة تجد بيئة خصبة للظهور والانتشار في الدول التي تشهد انقسامات طائفية، وضعفاً وانهياراً في مؤسسات الدول، مؤكدا أنه إذا «أردنا أن ننتصر في معركتنا ضد الإرهاب يجب ألا نتهاون في مواجهة الدول الراعية للإرهاب والطائفية».

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المملكة وهي تقوم بتنبيه العالم إلى ضرورة مواجهة النظام الإيراني لا تفعل ذلك لأهداف خاصة بها، ولا تطلب من الآخرين القيام بمهمة الدفاع عنها وحفظ مصالحها، فهي تمتلك ولله الحمد القدرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة أعدائها، ولها من السلاح ما يكفي لردع أعدائها، ومن الأصدقاء والأشقاء ما يعضد موقفها، وقبل ذلك فهي تتسلح بإيمانها بربها واعتمادها عليه، وتتكئ على التزامها بمبادئ القانون الدولي وتحرص على سياسات حسن الجوار.

لذلك فإن جهودها لحث العالم على التكاتف في مواجهة إيران تنطلق من إدراكها لمسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية، بوصفها حاضنة الحرمين الشريفين وأرض الرسالة الإسلامية وقائدة الدول العربية، وهو ما يرتب عليها مسؤولية الحفاظ على عقيدة الإسلام السمحة من محاولات التشويه، وما تقوم به الدول الراعية للإرهاب والمجموعات المتطرفة، وهو الدور الذي تقوم به بمنتهى الجدية، وتحرص عليه أشد الحرص.

المؤسف في الأمر أن النظام الإيراني الخارج على الشرعية الدولية، والذي لا يجرؤ على المواجهة المباشرة مع أي دولة، ويلجأ لأسلوب الحرب بالوكالة لا يهتم بمصائر الدول التي يتدخل فيها، ويتخذ مستقبل أجيالها كأوراق ضغط يحاول اللعب بها في ميدان السياسات المتغيرة والمتقلبة، غير مكترث لما تسفر عنه سياستها الانتهازية من مآس، وما تتسبب فيه من كوارث لتلك الشعوب التي تبتلى بتدخلاتها السالبة. أسلوبها المتكرر في ذلك هو حشد العملاء من فاقدي الضمير وعديمي المروءة، الذين ينساقون وراء شعاراتها بعد شحنهم بشعارات طائفية عفا عليها الزمن وتجاوزتها مسيرة الحضارة والتقدم.

أكبر مثال على ما سبق هو الأدوار السالبة التي تقوم بها ميليشيات الحشد الشعبي في العراق والتي تقف وراء تكرار المشكلات السياسية وتمنع التوصل إلى حلول تنهض بالبلاد. وما ترتكبه جماعة الحوثيين من جرائم بحق الشعب اليمني الذي أرجعته مئات السنوات إلى الوراء وأوردته موارد الهلاك. أما ما يقوم به حزب الله من أدوار العمالة والخيانة فقد فاق حد التصور، وهو يرهن لبنان لمصالح إيران ويستقوي بالسلاح غير الشرعي على المؤسسية، بل ويتدخل في بعض دول الجوار على غرار ما نشاهده في سورية.

كلمات الملك أمام الأمم المتحدة تمثل رسالة حازمة في وقت دقيق تضع المنظمة الدولية ومجلس الأمن على وجه التحديد أمام لحظة حاسمة ومفصلية لمراجعة الأداء والوقوف أمام الحقيقة، وامتلاك القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة يستعيد بها هيبته ويقوم بدوره في حفظ الأمن والسلم الدوليين، حتى لا تصبح اجتماعاته والقرارات التي يصدرها والمواقف التي يتخذها مجرد حبر على ورق أو فرصة لالتقاط الصور التذكارية.

ومما يبعث على الفخر أن دول الخليج العربي سبقت الجميع في فهم حقيقة النظام الإيراني وإدراك مخططاته الشريرة، وخطورة تحركاته في منطقة الشرق الأوسط، ومساعيه لإضعاف الدول الخليجية، لتصبح لقمة سائغة يسهل عليه ابتلاعها. لذلك تجاوبت الولايات المتحدة مع تلك الرؤية، وبدأت جهودا متواصلة لتحجيم النظام المارق على الشرعية الدولية، وفرضت عليه سلسلة متواصلة من العقوبات التي خنقت اقتصاده وأرغمته على الانزواء.

لذلك كله، فإن على الدول الكبرى إن أرادت وضع حلول لمشكلات المنطقة وضمان استقرار الاقتصاد العالمي أن تتسامى فوق مصالحها الذاتية، وأن تضع أمن العالم وسلامته كأولوية قصوى، ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا باتباع ما قاله خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - والنظر إليه بعين الاهتمام، فهو شرح واضح لمشكلات العالم ووصفة دقيقة للأزمات التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط التي إن تعرضت إلى حالة عدم استقرار، لا سمح الله، فإن عواقب ذلك لن تقف عليها وحدها وسيدفع العالم كله فاتورة ذلك، وعندها لن يفيد الندم.