في قول منسوب للدكتور غازي القصيبي رحمه الله (لا تحاول تحسين صورتك لأحد. كلنا عاديون في نظر من لا يعرفنا، مغرورون في نظر من يكرهنا، جيدون في نظر من يعرفنا، رائعون في نظر من يحبنا).

قابلت صديقي بعد فترة من الزمن ليحكي لي قصته بعد أن أحاط به الأصدقاء والمقربون، وامتلأت حساباته الاجتماعية بآلاف المعجبين والمغردين. وكان مجلسه لا ينفض من هؤلاء الأصدقاء والمعارف. أما مكتبه فكان لا يستطيع المقرب أن يحصل على أكثر من خمس دقائق من وقته الثمين. ولمعرفتي بذلك الصديق وعلو خلقه وسمو نفسه ورقي تعامله فقد تعجبت كثيرا عندما أخبرني بأن أولئك الأصدقاء والمعجبين قد انفضوا من حوله، وألغوا متابعة حساباته، وأصبح مجلسه خاليا من تلك الليالي الممتلئة بالأحاديث والسمر، فور مغادرته لمنصبه. وتساءلت بيني وبين نفسي هل فعلا ما حصل له هو خسارة أم مكسب عظيم لم يستشعره بعد.

هؤلاء المتسلقون على القيم والمبادئ الأخلاقية تمتلئ عقولهم بالأفكار المريضة التي يتم ترجمتها إلى أفكار سلوكية منبوذة تفتقر إلى الوفاء والإخلاص، وتمثل أبرز الملامح لمفاهيم الاستغلال والشك وافتقار المصداقية. ومع مرور الوقت تتولد لدى هذه الفئة مناعة حقيقية ضد كل القيم والمفاهيم الحميدة. إن هذه الفئة من الأصدقاء لها مفهومها الخاص في استغلال المواقف والأحداث والتي تقوم بشكل أساسي على المصالح الشخصية وقلة المروءة. إن هذه الفئة التي نشأت على نكران الجميل وخذلان الأصدقاء واستغلال المواقف قد يكون سبب ما أصابها ناتجا عن خلل في التربية والتنشئة كعملية تفاعلية سواء كان ذلك بسبب تربية البيت وافتقارها لغرس القيم وتهذيب الأخلاق، أم بسبب المدرسة وضعف المربي والمعلم في غرس تلك القيم العظيمة.

الخير والشر في النفس البشرية ليس شيئا مكتوبا علينا، وليس من الطبائع التي نولد بها، وإنما هي انعكاس لنوعية نشأتنا وتربيتنا وعلاقاتنا وقيمنا المكتسبة. إن الرؤية المشوهة لتلك الفئة هي رؤية نابعة من تلك الأنفس غير المطمئنة والأمارة بالسوء. وحين تغيب القيم والمفاهيم العظيمة، فإن الأفعال السائدة والعلاقات البشرية تستمد قيمتها من العلاقات النفعية، ولا تستطيع الاستعصاء على العلاقات الإنسانية الخاطئة.

إن مشكلة اليقين المصطنع الذي يخلقه هؤلاء الأتباع من المنتفعين، وأصحاب المصالح يجب أن يقابله نوع من الفطنة والحذر، لتسقط معها تلك الهالات والأغشية والأقنعة دون انتظار للزمن ليسقطها.

في بيت شعر للفارس العربي عنترة بن شداد يعبر فيه عن هذه المعاناة النفسية بين كونه ابنا لجارية في زمن انتشرت فيه العبودية والعنصرية، وبين كونه الفارس العظيم الذي يحمي قبيلته ويحفظ لها شأنها فيقول:

ينادونني في السلم يابن زبيبة وعند اصطدام الخيل يابن الأكارم

مما لا شك فيه أن المواقف والشدائد هي ما يظهر حقيقة وجوهر البشر. وللتخلص من هذه الفئة فكل ما عليك فعله أن تتحسس الوضع الذي كان يحتله هذا الشخص من حياتك، وستجد أنه لم يكن سوى حكاية عابرة لفترة زمنية محدودة من تاريخك، وصفحة يجب أن تطوى وترمى في سلة المهملات.