عام 1998 اعتمدت منظمة الصحة العالمية اليوم العالمي للإبصار، فأصبح العالم يحتفل به في ثاني خميس من أكتوبر كل عام، وذلك من أجل التوعية اللازمة للحفاظ على نعمة البصر العظيمة والوقاية من العمى.

هذه الأيام العالمية المختلفة فرصة رائعة لتذكر موضوعاتها وأهدافها والتفاعل معها. اليوم العالمي للإبصار يجعلنا نحمد الله على نعمة من أعظم النعم التي بها تكتمل الصور، وتتضح مما يجعلنا نستشعر العالم ونعيش الحياة كأجمل ما يكون، احتفالنا بعدا اليوم يجعلنا نتساءل.

كيف نحن بين البصر والبصيرة..؟ كيف هي الحياة بهما وبدونهما..؟ هل نجيد تقديم الأفضل ليرانا من حولنا بصورة تعكس صورتنا الحقيقية؟

وهل قدمنا ما يجعل الآخرين يبصروننا بحب وإعجاب.. أم أننا نقلنا صورا لا تمثلنا فجعلناها أبواب عبور لحقد الحاقدين وأذى الحاسدين؟

مثل هذه الفلسفات وتناولها في مثل هذه المناسبات تجعلنا نبحث عن مساحات تأمل ممتدة، ونسأل أنفسنا كأفراد..

هل نجيد رؤية أنفسنا كما يجب أن نراها ونعبر عنها وننقلها للآخرين بأبعادها الصحيحة؟ أم أن البعض منا يعاني قصور البصيرة التي تجعله لا يبصر المتغيرات المتتالية في العالم، والتي حتما لها تأثيرها علينا لأننا جزء من هذا العالم الكبير، متغيرات كثيرة تمس تعدد الأدوار، وتبادل المراكز، وتمازج الثقافات، وتبادل المصالح، التفاعل معها بحكمة وإيجابية يعلو بالوطن، ومن ثم سيعود نفع ذلك على الفرد كمواطن، بشرط أن يكون لدينا كأفراد أبصاراً ذات بصيرة تقود العقل لتوازن يستطيع من خلاله أن يحقق أمانيه الشخصية، مع مراعاة مصلحة المجتمع والوطن. مهم جدا أن يسأل كل منا نفسه.. كيف يرانا العالم؟ لأن العالم شاهد على ما يرى ويبصر وما يتلو ذلك من تحليلات ورؤى أساسها المشهد الأول والنظرة الأولى، لذلك فمن المهم على كل فرد أن يستشعر مسؤولية تمثيل وطنه بحرصه، ألا يرى الآخرون منه إلا الخير والولاء والتقدير لذاته ومجتمعه ووطنه خاصة في زمن هيمنة الإعلام الرقمي وتصدر منصات التواصل المختلفة.

لا بد للمجتمع بكل فئاته وأطيافه من نظرة إيجابية نحو الاختلافات والفروق الفردية، والإيمان بالتعددية من خلال تقبل تباين اللون والفكر، والإيمان بأن تماسك المجتمعات وقوتها تأتي من خلال نظرة التفاعل الإيجابية والتقبل والتسامح والبذل والعطاء التي من خلالها ستفتح أبواب الخير.

ليس أسوأ من حياة تُحجب فيها عنا الرؤية، وتنعدم الملامح فيصبح كل شيء مبهما، فتكثر الأخطاء.. فتبحث المجتمعات عما يعيد لها إنجلاء الغبش ووضوح الرؤى..!

مما نحمد الله عليه أننا نعيش عصر رؤية 2030 التي من خلالها نرى إشراقة شمس الغد بوضوح، نركض تحت دفئها، يقودنا الإخلاص والبذل والولاء، لنصل معها إلى القمة التي تليق بنا كأفراد ومؤسسات ووطن، أنعم الله علينا بقيادة ذات بصر وبصيرة، ترى الغد بوضوح فتتخذ قراراتها بما يدعم مصلحة الوطن والمواطن بعد توفيق الله.

ما نملكه من مقومات وثروات جعل العالم يبصرنا جيدا، ويمد لنا الأيدي ناشداً الوصال.. فها هي مجموعة العشرين تتزين بنا، ونحن محط أنظار العالم الذي يرى قيادتنا لهذا الحدث الهام، وحرصنا عليه يطرح كل القضايا والحلول للحد من تأثير جائحة كورونا، للمحاولة بقدر المستطاع لخروج العالم منها بأقل الضرر.

بعيدا عن متاهات المسؤوليات والالتزامات التي تثقل كواهلنا، لنهرب من هذا كله ونبحث عن فضاء نهدأ فيه ونطمئن ونتأمل كل شيء بروية وسكينة، لا بد أن نعيد للعين سحرها وفتنتها، من خلال العناية بها والحرص عليها ومنحها كل ما يسرها، فهي تحتاج أن ترى الجمال لتعبر عنه، وتحتاج أن تصاب بالدهشة لتعجب بها، فمن نظرة خاطفة تتغير حياة ويخفق نبض، ويجتمع طرفان على مساحة عشق ممتدة، ما أتت لولا تلك النظرة الحالمة، صدق العين يجعل الآخر يطمئن لك ويركن إليك، ويثق أنه في مملكة روح وتفاصيل جميلة.. كلام العيون لا بد أن يعود، وصمتها لابد أن يسمع.

ويطيب لي في اليوم العالمي للبصر أن أوجه تحية إكبار وإجلال لكل من ساهم في تطوير طب العيون عندنا، ومنحنا الوقاية من أمراض كثيرة، وكلنا يرى كيف كانت أعيننا وكيف أصبحت الآن وكيف تطور طبها، وأصبحنا نجد لكل تعب لها حلا ودواء بسرعة، وأصبحنا سدا منيعا أمام كل ما يعترضها من آلام وتبعات قد تتعبها وتجعلها أسيرة وجع هي في غنى عنه.

في هذا اليوم، قلوبنا مع كل من فقد نعمة البصر وسيعوضه الله بنعمة البصيرة والفهم، والقدرة على الحياة بواسطة القلب والعقل.