الذين ينظرون إلى واقع الحال في الجانب البيئي والتأثيرات المناخية كأكبر التحديات التي تواجه مستقبل الطاقة، يتوقعون أن المستقبل سيكون متشائماً على الأقل لأنواع الوقود الأحفوري ومصاحباته، وأن الوضع لن يكون أحسن حالاً إذا أخذنا في الاعتبار أزمة فيروس كورونا المستجد والخلافات السياسية والاقتصادية بين عملاقي العالم الصناعيين الصين وأمريكا، في ظل اقتراب موعد فتح المظاريف لإعلان اسم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد، وهي أكبر مصدّري الطاقة في العالم وثاني أكبر الباعثين لغازات الكربون إلى الغلاف الجوي. وفي الحقيقة أن هذا التوقع غير صحيح على الجملة، وذلك قياساً على مكانة وأهداف ومقدرات كل دولة من الدول التي وقعت على اتفاقية المناخ وبروتوكول كيوتو، إضافة إلى وجود الخطط البديلة لتطوير البدائل المستدامة والطاقة غير التقليدية.

قبل أن نسبر تعقيدات الموقف الحالي كما نحن عليه الآن في 2020، دعونا نعود لأصل المشكلة وهي أن العالم حالياً يبعث 44 قيقا طن مترى من الغازات إلى الهواء، %75 منها فقط هو ثاني أكسيد الكربون CO2 ، إضافة إلى %12 غاز الميثان CH4 وأكسيد النيتروس N2O ، حيث إن هذه الغازات ذات المصدر الأرضي تتعلق بين قشرة الأرض والغلاف الجوي، وتمتص أشعة الشمس ذات الطول الموجي القصير كالأشعة تحت الحمراء، وتسبب انعكاسها إلى سطح الأرض والتي يفترض لها أن تغادر الجانب المظلم من الأرض ليلاً، ولكن وجود هذه الغازات معلّقة بين القشرة الأرضية والغلاف الجوي يحتبس هذه الأشعة ويرفع درجة حرارة كوكب الأرض مسبباً ذوبان الجليد وإثارة البراكين وحرائق الغابات وتغيرا مناخيا وتصحّرا وانقراض أجناس فطرية وغيرها من الآثار البيئية السلبية، وأخطرها على الإطلاق توفير الغذاء للإنسان.

قبل الثورة الصناعية الثالثة منتصف القرن العشرين، أي قبل عمليات الإنتاج الأوتوماتيكي كان مستوى انبعاثات الكربون أقل من قيقا طن متري واحد، كان من مصدر واحد وهو إنتاج الفحم من المناجم، في عصر الثورة الصناعية الثانية أو ما يسمى عصر الإنتاج المتسلسل.

بنهاية العام الماضي 2019 ثبت حجم الغازات الدفيئة، أو ما تسمى غازات الاحتباس الحراري عند 44 قيقا طن متري، منها 33 قيقا طن مترى من ثاني أكسيد الكربون CO2 فقط، وهو سلوك عالمي بدأت الدول الصناعية الكبرى ممارسته منذ العام 2008 بحيث يثبت معدل الانبعاثات لسنتين أو ثلاثة ثم يقفز وهكذا دواليك.

حتى نهاية 2019 تعتبر الصين والولايات المتحدة الأمريكية مسؤولتان عن %50 من انبعاثات الكربون عالمياً، وتتوزع النسبة الباقية بين الهند وروسيا واليابان ودول أوروبا، بينما تبعث المملكة العربية السعودية أقل من %1.8 من الكربون على الرغم من أنها أكبر دولة في العالم تملك احتياطيات الطاقة، وتعتبر ثاني أكبر مصدّر للطاقة بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

الوضع السعودي في ظل هذه الإرهاصات العالمية أكثر تفاؤلاً وإشراقاً لأسباب كثيرة أهمها وجود عزم سياسي يقوده الأمير محمد بن سلمان في رؤية 2030 لخفض الاعتماد إلى أقل من الثلث على النفط في ميزانية الدولة، من خلال استخدام أموال النفط لبناء الإنسان السعودي، والبنية التحتية السعودية، وسن القوانين البيئية اللازمة وتنفيذ خطة الاستراتيجية المتكاملة السعودية للطاقة التي سوف يعلن عنها نهاية العام 2020 والتي تضطلع بجوانب ستغير قواعد المنافسة في مجال الطاقة أهمها: توليد نصف حاجة المملكة من الكهرباء بحلول 2050 من الطاقة الزرقاء الخالية من الكربون، من خلال مسار الاقتصاد الدائري للكربون، وأيضاً من الطاقة الخضراء ذات المصادر غير الأحفورية كالطاقة الشمسية والنووية والرياح والماء.

إن شركتي أرامكو وسابك وهما أكبر شركة نفط وأكبر شركة كيميائيات في العالم من حيث الإمكانيات والمقدرات والعقول، تمكنتا بالفعل من تطوير تقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون، وإعادة استخدامه لإنتاج مواد صناعية مفيدة ومستخدمة عوضاً عن بثّه للغلاف الجوي، وهذا الابتكار بحد ذاته إنجاز يجير للعقل السعودي الذي سيوفر حلولا للاستهلاك الطاقي وأيضاً للإنتاج من خلال استدامة أكثر وموثوقية أكبر.

وعلى الرغم من هذه التحديات الصحية والبيئية ومحاولة العالم الإبقاء على معدلات أقل من الانبعاثات الكربونية، ومقاومة أمريكية من جهة وأوروبية من جهة أخرى، إلا أن المفاجآت غير السارة القادمة من الشرق أحيانا قد تغيّر قواعد اللعبة مؤقتاً لأن استدامة التغير في مجال أسواق الطاقة مرتبط فقط بالتقنية والابتكار.

فهل يا ترى سيستمر العالم بارتداء الكمامة الطبية للوقاية من فيروس كورونا والانبعاثات الكربونية، أم أن السعودية وكبرى الدول الخضراء سيكون لها القرار الفيصل في هذا. من يدري، ولكني متفائل جداً بسبب ما أراه من عمل سعودي جاد وحثيث.