عشنا زمنا طويلا ونحن نعتقد أن بعض المسلمات والأفكار والعادات والتقاليد لا تقبل الجدل وغير قابلة للتغيير، وأن الحديث عنها أو الخوض فيها هو شيء قد يكون محرما. كان تعليم المرأة وعملها ثم التلفزيون والهاتف والإنترنت والمحطات الفضائية والجوالات، ومع مرور الوقت أصبح الجميع يتقبل كل هذه الأشياء، بل أصبحت من ضرورات الحياة. والشيء الوحيد الذي اختلف كانت تلك النظرة التي نتعاطى بها مع تلك الأشياء، وهي منظور خاص لا يستند إلا على اجتهادات قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة.

وبما أن قدرة عقولنا كبشر على اكتشاف السلبيات هي أكبر بكثير من قدرتها على اكتشاف الإيجابيات، فمن الطبيعي أن نتعامل مع كل جديد على أنه سلبي وخطر. عندما ننغلق على أنفسنا ولا ننفتح على الآخرين بحجة اختلاف الديانة والثقافة، فهذا يجعل معلوماتنا وتصوراتنا عن الواقع مملوءة بالفراغات وعدم اليقين. إن عقولنا وعبر عقود كان لا يقدم لها إلا الأمور السلبية في غالب الوقت وذلك لغياب المنهج التجريبي في تعليمنا واعتمادنا بشكل كامل على التلقين والحفظ.

مما لا شك فيه أن العقول البشرية فيها العديد من النقائص والعيوب، ولكن الكثير منها تحرر من تلك العيوب من خلال الانفتاح والتجربة والمعرفة الحقيقية. العقل الباطني هو مادة خام يتم تعبئتها بالأفكار والمعتقدات السلبية أو الإيجابية والتي تظل تسيطر على تلك العقلية وقد يصعب التغيير فيها لاحقا.

أصحاب الأفكار الإيجابية يعلمون جيدا أن فرص النجاح دائما متجددة وليست جامدة، في وضع معين ولهذا فهم يقتنصون الفرص، ويستفيدون منها، وعلى النقيض فأصحاب الأفكار السلبية يحصرون عقولهم في أحكام محددة ونهائية لا رجعة فيها، فهذا عدو دائم وهذا صديق دائم وهذا أمر مضر لا فائدة فيه، وأمر آخر ليس فيه من ضرر!!

تلك العقول التي تسيطر عليها تلك الأفكار السلبية تظل في معزل عن الآخرين، ويطغى على تصرفاتهم النفور والعزلة، ولا ينجحون في إقامة العلاقات والصداقات إلا بصعوبة بالغة. ولهذه العقول طريقتها الخاصة في تفسير التسارعات والأحداث الجديدة، وذلك من خلال تبريرات ومعتقدات كانت مشروطة بظروف زمانية ومكانية وتاريخية.

كلما كان العقل خصبا بالأفكار الإيجابية كانت تلك المجتمعات أقدر على تحليل المواقف الراهنة، وتلافي مواطن الضعف وتخطي العوائق والعقبات. وسيكون لدى تلك المجتمعات العديد من الخيارات للمستقبل بدل العيش في أغلال وقيود الماضي. لا عيب في بحث البعض عن البدائل الجديدة وعن التجديد الذي قد لا تستوعبه بعض العقول وتراه خروجا عن المألوف.

اليأس والخوف والنفور من الحلول البديلة دون مناقشتها وتفسيرها والخوض فيها، هو دليل على الجمود وانغلاق الفكر ونبذ التغيير، وقد يكون فيه حرمان للشعوب والمجتمعات من ظروف معيشية أفضل لا حروب فيها ولا منغصات. ضعف التفسير المنهجي والتحليل المنطقي للأمور يقفل الأبواب أمام انفتاح الشعوب وتطورها واللحاق بغيرها من الدول المتحضرة. كما أن العيش في الماضي وتجريم الانفتاح والتفكير، هو أمر لا تجيده إلا تلك الدول التي مازالت تنظر بأنانية مطلقة، ولا تفكر إلا في مصالح طبقة معينة، وترى أن الحروب والدمار والخراب والجهل والفقر هو السبيل الأمثل لبقائها.