دار في ذهنها سؤال» كيف تكتب رواية جادة مقبولة لأول مرة؟ وكل ما تكتبه قصصا قصيرة ونصوصا مبعثرة، بعضها نُشر وأكثرها تحتفظ به في مسودات بعيدة». هكذا فكرت فوزية الشنبري حين شاركت في مبادرة «انثيال» الإبداعية بدورتها الأولى، وقدمت روايتها المميزة (لعبة نزقة)، موضحة: غامرت بخوفي الحاد، ما كنت أحب فكرة الفشل، ولا أنزح لوهم الحضور، خصوصاً في المرة الأولى التي ستقدمني للأدب. فتقدمت وطلبت المغفرة طويلاً.

اكتشاف

توضح الشنبري التي سبق أن لفتت الانتباه كأحد الأقلام السعودية الموهوبة التي قدمتها المنصات الإلكترونية، عبر نصوص قصصية: «السبب الحقيقي في دخولي للمبادرة كانت كآبتي المستمرة، كنت أعرف أن الكتابة والاستغراق فيها مخرج، الكتابة علاج مجد وجميل.

كتابة الرواية جزء أصيل وممتد من القصة القصيرة، وكنت وما زلت أظن أن تقنيات الرواية مفتوحة وأكثر انطلاقا وحرية من القصة القصيرة إذ تعتمد على الدقة وحبكة الربط بين الأحداث وعدم نسيان التفاصيل وكان هذا ما اكتشفته عني أثناء كتابتي للرواية.

مشاعر رجل

كان اللافت الأول في رواية (لعبة نزقة) التي تقارب مسألة التحديق، لرجل تحاصره أسئلة وجودية حول واقعه، يطمح للرؤية عبر منظار ويبحث عن بقعة مناسبة يحدق منها في الحياة عبر منظاره، لجوء الكاتبة للسرد بلسان رجل، ما أثار سؤالا (جندريا) عن كيف تقمصت امرأة مشاعر وتفكير رجل؟ ولماذا لجأت لهذا التكنيك؟ تلتقط الشنبري التساؤل وتجيب: في الأدب العربي و»السعودي خاصة» امتيازات للرجل وهنا أخص حرية التنقل والحركة والسُلطة في تجاوز المباح الذي أريد قوله بحرية بعيداً عن الأحكام الإجتماعية أو مفاهيم التشدد. قراءات كثيرة سابقة فيما يخص سلوك الرجل السيكولوجي تحديدا منذ الطفولة إلى الشيخوخة، استفدت منها في تعاملاتي الواقعية ومن تجاربي الشخصية أيضا - بما إني امرأة لا تهمل التفاصيل وردات الفعل، ولم أجد صعوبة في الكتابة بلسان رجل،خصوصا المهمش والمطحون تحت صخرة الروابط الاجتماعية، والحاجة لأكثر من وعاء يحتويه والتي غالبا لا ينجو منها الضعيف.

فصل من رواية «لعبة نزقة»

فتحتُ جفوني المتعبة ببطء، كنتُ مستلقياً على سريري وكل جزءٍ من جسدي يغطُّ في سكونٍ تام، أدور بعيني المُثقلتين في أنحاء الغرفة كمن كان مغشيّاً عليه، ولم يكن يعي ما حدث له.

أغمضتُ عيني لبعض الوقت وحين فتحتها، لاح لي ظلٌّ يقترب ويتضخم كلما اقترب أكثر نحو باب الغرفةِ المفتوحِ على مصراعيه.

حينها دخلت سيدةٌ غارقةٌ في الظلام، والضوء المنسرب من الباب خلفها خفيفٌ جداً يطمس كل معالمها، ولم أكن أتبين من هي حتى تلك اللحظة! اقتربتْ بكل رشاقة وبجرأةِ من يعرف من أكون، وضعت يدها على رأسي متحسسةً، ثم أمسكت يدي برفق لترفعني لأعلى حتى استويتُ جالساً، أخذتْ كأسا ووضعتها بين شفتي محاولةً إرغامي على شربه، كان شيئاً ساخناً وله طعمُ مرارةٍ تشبه تلك الأعشاب القديمة التي كانت ترغمني شامة على شربها.

لم أكن قادراً على الاعتراض أو محاولة الدفاع عن رغباتي، والرد على هذا الهجومِ المباغت، والأشد من هذا استنكاري لها في داخلي فأنا لم أكن قد تعرَّفتُ عليها بعد.

ما هي إلا لحظات حتى وضعتْ الكأس بجانبي، وقالت بصوتٍ جهوريٍّ خشن بدا لي للحظة أنه صوت رجل «هل تستطيع القيام بأمورك لوحدك؟ حتى يتسنّى لي العودة إلى منزلي، وسأعود إليكَ في الصباح، فيبدو أن شامة لن تعود وأنك ستبقى وحيداً لبعض الوقت».

كانت تتحدث كمن يعرفني جيداً، وكنت أواصل التحديق نحوها محاولاً التعرف عليها، لكنها لم تنتظر أي إجابة مني ثم راحت تبتعدُ حتى توارت في الظلام، وبقيت أحدق في الظلامِ حتى فتحَ لي النومُ أحضانه من جديد، فغبتُ معه.

كان الصباحُ في ذروته، يرسل أشعةً تهتك زجاج النافذة، تقتحمُ فضاء الغرفة، تنفذ إلى عيني، تلهب أجفاني بسطوةِ ضوئها، وكنت أحاول النهوض من فراشي بصعوبة، الألم يدقُّ عظامي ويفتتها إلى قطعٍ صغيرة. كان فمي جافّاً وينزُّ مرارةً، أخذتني مرارةُ الطعم هذه إلى مكانٍ قديم، حين كنت صغيراً شقيّا جداً، لدرجة أنه لا يستطيع أيَّ أحدٍ من أقراني أن يتغلَّب عليّ في لعبةٍ أو سباق. وكنا ذات يوم نتسابق على شجرة حناء مليئة بالأشواك مزروعة في أحد الأحواش بعيداً عن منازلنا بمسافة طويلة، ويتدلى من بين ملايين الأشواك حباتٌ خضراء صغيرة مرصوفة على شكل عنقود، كانت صلبة بحيث لا تبدو كثمرةٍ صالحة للأكل، فهتفتُ بحماسةٍ مُتحدياً الجميع على أكلها، قام بعضهم يتذوَّقها على طرف لسانه ثم يلفظها من شدة مرارتها، أما أنا فقد التهمتُها كلها. وعرفت فيما بعد أنها ليستْ ثمارا لتؤكل متظاهراً بالشجاعةِ والاستمتاعِ بأكلها. لن أنسى ذاك الطعم العَسِر ما حييت. كنتُ أجلس على حافة السرير مطرقاً رأسي، مصاباً بتشوش واختلالٍ في التوازن وكأني فقدتُ القدرة على الوقوف من جديد. وأثناء محاولاتي الحثيثة تناهى إلى سمعي أصواتٌ تصعدُ السلَّم بتكاسل، أدرتُ رأسي أترقبُ، فإذا هي السيدة كركند! تتقدم نحوي باطمئنان وثقة!

في دورتها الأولى

- مبادرة تعني بالكتابة الإبداعية

- تهدف إلى الكشف عن أقلام سردية جديدة

- أسسها مطلع عام 2019 الروائي طاهر الزهراني

- تدار عبر منصة إكليل بإدارة عبدالعزيز الغامدي

- المشرف العام الروائي علوان السهيمي

الدورة الثانية للمشروع

- تسجيل أكثر من 280 مشاركا

- تقييم أكثر من 150 نصا للدخول لمرحلة الكتابة

- رشحت المبادرة 45 كاتبا وكاتبة لمرحلة الكتابة

- أنجز 12 كاتبا وكاتبة روايات مكتملة

رشحت 6 أعمال جاهزة للنشر، لكل من:

معتز البدر

أسامة أبو حواس

ياسر العبدالهادي

مريم طوهري

ثويني آل عليوي

بثينة محمد

مخرجات الدورة الأولى 5 روايات

يوسف أوال «محاطا بالفولاذ»

فوزية الشنبري «لعبة نزقة»

ليلى الهاشمي «حمم باردة»

منصور حمدان «حوض البقر»

لطيفة الشلوى «صانع القبعات»