يظن كثير من نخبة المثقفين أن المخيال الشعبي لم يقاوم الصحوة، بينما المتأمل لسردية النكت والطرف الشعبية سيجد مقاومة شديدة ولو كانت مضمرة لهذه الصحوة، وسأطرح في نهاية المقال ما يؤكد أن ما يراه المثقف في الصحوة قد سبق ورآه عموم الناس الشعبيين منذ زمن، وقاوموه بطريقتهم، فقد تساءلوا في ضمائرهم عن الفرق بين من يخاف الله وبين (الصحوي)؟ وابتداءً يجب التذكير بأن البحث عن الفرق يعيد لنا السؤال القديم: ما الفرق بين من يخاف الله وبين الخوارج؟ فالخوارج كانوا يعبدون الله أكثر من غيرهم في الصلاة والصيام والقيام وتلاوة القرآن كما ورد في الحديث... إلخ، لكنهم بالمقابل يجدون في قتل بعض كبار الصحابة كعلي بن أبي طالب صلاحاً لدينهم ودنياهم على اعتبار عقائدي فاسد قائم على أنه (لا تأخذهم في الله لومة لائم)!؟!!.

الصحوي دينه يظهر من خلال الآخرين وليس من خلال نفسه، فهو واعظ لغيره بالزهد وهو مقبل على الدنيا بيديه وأسنانه، واعظ لغيره بالحلم، وهو ظالم أحمق مع خادمه والضعيف من أهله، الصحوي واعظ لغيره بالستر وهو عاشق لهتك الأستار، واعظ لغيره بكف اللسان عن الأعراض، وهو مشاء بنميمة وغيبة تكاد أن تكون زاده اليومي، ومن قبح الصحوي أنه يغطي غيبته ونميمته بمبررات تصف هذا بالفسق وذاك بالمجون وثالث بخلل في العقيدة، وكلها تصب في تصنيف يحدد (الجنة له والنار لمن خالفه)، فكأنما مقامه مقام النبوة أو أنه مَلَك مقرب.

الصحوي يختلف عمن يخاف الله، إن الصحوي يدعي خوف الله في الناس ولا يخاف الله في نفسه، فالصحوي مدمن لتحويل (المسلمين) إلى (إسلاميين)، فجدك وجدتك كانا على الضلال على مستوى العقيدة، فإن لم يكن فعلى مستوى الأخلاق، حتى جاءت الصحوة فنقلت الأبناء والأحفاد من خانة (المسلمين) التي كان عليها أجدادهم إلى خانة (الإسلاميين) التي عليها طلاب المدارس منذ أربعين عاما.

الصحوي يختلف عمن يخاف الله، إن الذي يخاف الله مشغول بأفعاله عن أفعال الناس، أما الصحوي فمشغول بأفعال الناس عن أفعاله، ولهذا تراه يهتم بتفاصيل أقواله وشكله الظاهري أكثر من اهتمامه بتفاصيل أفعاله ومخبره الباطن، فبقدر تشابهك في الشكل معه بقدر ما يغفر لك سوء خلقك الذي يبرره لك بأنه من (الغيرة على دين الله)، فدينه عبارة عن رحمة خاصة بجماعته، بينما من يخاف الله يدرك أن الرسول الكريم بعث (رحمة للعالمين) وليس للمسلمين فقط.

الصحوي يتعامل مع الدين كوسيلة في كل شيء، فإن أراد النكاح (المتعدد المؤقت) وجد له طريقاً (شرعياً) يبيح له التمتع لبعض الوقت دون التزام أخلاقي بتبعات هذا الزواج من ذرية وأرحام، بينما من يخاف الله يتعامل مع الدين (كمقاصد) فيدرك أن الأصل في النكاح الديمومة، ويخاف الله في زوجته حتى ولو كانت كل كتب الفقهاء تقول له: الأصل في النكاح (المنفعة) فلا يلزمك نفقة الدواء عند مرض زوجتك.

الصحوي يصرخ في الأخذ من اللحية أكثر من صراخه في الأخذ من نصيب أخته وأمه في الإرث، الصحوي يصرخ في سماع الأغاني (المختلف على حكمها) أكثر من صراخه في سماع الغيبة والنميمة (المتفق على تحريمها)، الصحوي يتلمظ فرحاً عند سماع فضيحة أو مصيبة تقع على إنسان يخالفه سواء أكان من أهل دينه أو غيرهم، فدينه الكراهية لكل من خالفه في رأي فقهي فكيف بمن خالفه في مذهب أو دين، فالمحبة عنده مشروطه، بينما من يخاف الله تجد قلبه عامرا بالمحبة للإنسانية جمعاء، فلا يضيق قلبه بالإحسان لكل أحد، حتى يشمل بإحسانه كل مخلوقات الله حتى ولو في شربة ماء لكلب أنهكه الظمأ.

وأخيراً الصحوي طحلب خسيس مليء بالبكتيريا والفيروسات المهلكة، يتوهمه كثير من الحمقى والمغفلين حقلاً أخضر من سنابل القمح المباركة، فمضغوا خبز الصحوة حتى أتخموا، وتصلبت عقولهم فخلطوا بسبب (التخمة الأيديولوجية) بين الصحوي ومن يخاف الله، بينما الأذكياء الشعبيون من عموم الناس كانوا يتداولون بينهم نكتة تكاد تلخص هذا المقال وتقول: (كان هناك محشش تاب وبعدها راح مع المطاوعة، في يوم من الأيام دخلوا مسجدا كبيرا والناس كثير وبعد الصلاة قالوا له: قم وقل لهم قصتك قبل أن يهديك الله وتمشي معنا، قام وقال: صلوا على النبي.... أنا كنت محشش وسكران صايع ضايع وكان الله ساتر علي، ومن يوم مشيت مع هذولي فضحوني في كل مسجد!!).

وأخيراً كيف ننسى أهل الطرب الشعبي من رجال ونساء، قاوموا الصحوة بحفاظهم على الفنون الشعبية في مناسباتهم المختلفة وعلى رأسها الأعراس التي أحالتها الصحوة (عبر الإخوة والأخوات في الله حملة راية الشريط الإسلامي) إلى محاضرات ومواعظ، فقاوموا كل ذلك البؤس والكآبة بالألعاب الشعبية والرقص والأهازيج والشعر والغناء مرددين بصوت واحد (لا للآ لاه للآال).