أعلمه الرماية كل يومٍ *** فلما اشتد ساعده رماني

مقولة عش رجباً تر عجباً، صحيحة إلى حد كبير، فمن سبح في بحر الحياة، وغاص في أعماق بحارها، وشرب من مياه أنهارها العذبة منها، والأجاج، ووطأ بقدميه أراضيها، نزل السهل، ورقى قمم الجبال، واستنشق هواءها النقي والملوث، واستأنس بمن عمرها من سائر المخلوقات، وعاش مع الناس وتعايش معهم في كل الظروف، فسيرى ما يكدر الخاطر، ويؤلم القلب، ويعكر المزاج.

يرى نكران الجميل، ونسيان الماضي المشترك الأنيق، ومقارعة الطالب لمعلمه، ومقابلة الإحسان بالإساءة، والفضل بالنكران، وإبداء الرأي بإقصائه، وإسداء النصيحة بالنقد اللاذع دون روية وعلم بالواقع، يرى الغدر من أقرب الناس، يرى الصديق الحميم عدواً لدوداً ومتجسساً مقيماً.

وسوف يرى من عاش دهراً أن بعض من تقلد منصباً سيدير ظهره لأقرانه وأصدقائه وزملائه، متناسيا ما كان بينهم، فهو يرى نفسه في برجٍ عالٍ، فمن الطبيعي أن تتغير الصورة، ويُبْنى عليها الانطباع المشوه.

نعوذ بالله أن يكون من هذا الصنف من الناس، لأن ديننا الإسلامي الحنيف ينبذ مثل تلك الأخلاق غير السوية، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العظيم «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان».

ويقول - عليه الصلاة والسلام- «إن أحبكم إليّ أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً».

فلنتعلم حفظ الجميل، وصون العشرة الطيبة، ولنحذر أشد الحذر من أن ننسى العشرة، أو نسيء إلى من أسدى لنا معروفاً.