فرص الأمس قد لا تعود، وحلم يوسف عن إخوته قد لا يتكرر، والصبر على أذية الإخوة وتآمرهم قد لا يدوم، ولكن يظل الالتزام بصلة الرحم والعروبة وقضية الشعب. أما الإخوة قادة القضية فقد طفح الكيل، وعليهم أن يعلموا أن الآخرين الذين كانوا ولازالوا معهم هم الآن مع توجه العقل لكل ما فيه مصالح مجتمعاتهم، وسيظل الالتزام بالجوانب الأخلاقية لقضايا الشعوب هو مبدأهم، ولكنهم سئموا نكران الجميل، واصطفاف إخوة القضية إلى جانب الأعداء في كل معركة يتم استهدافهم فيها، وسئموا أيضا الابتزاز الدائم بقضية العرب والمسلمين.

التفكير الانتقائي الذي ينهجه قادة القضية قد يصيبه اللبس في الخلط بين الأعداء والأصدقاء بين الأغراب والإخوة، ولكنه تفكير يلعب على وتر المصالح والمتاجرة بقضية لم يكن يوما همهم أن تُحل، أو أن تعود الحقوق لأصحابها، والضحية شعب ضاع بين أحزاب وفصائل لا عهد لهم ولا ميثاق. التفكير الانتقائي لهؤلاء القادة لم يكن يوما سببه القصور بالمعرفة أو عدم وضوح المعلومة، ولكن بسبب ضعف الأمانة وانعدام الحرص على المصلحة العامة. التهويل والتخوين هو ممارسة تمثل قصورا فكريا وأخلاقيا وقد يؤدي إلى اعتلال وشرخ في تلك العلاقة التي كان العقلاء يمسكون فيها بشعرة معاوية، رغم إصرار المنتفعين بالقضية على نزع هذه الشعرة، من خلال الارتماء في أحضان كل مؤامرة كانت تستهدف الخليج وأهله.

نقول لكل أذن لا زالت تستمتع إلى ترهات أولئك الإخوة، عليكِ أن تعي تماما أن الأصل في معرفة أي قضية ستظل قريبة من العدم ما لم يتم الخوض في تفاصيلها وإعلان شواهدها، وإظهار خفاياها، ومناقشة أمورها على نحو كاف وواف. ولفهم عدم وجود حل للقضية علينا أن نؤمن بأن من أهم الأسباب، هيمنة التفكير السطحي على قادتها، وتقديم المصالح الشخصية على مصلحة الشعب، والمتاجرة بموضوعها على حساب المبادئ والأخلاق. شهداء القضية الذين تم اغتيالهم نعلم يقينا من أبلغ عنهم ومن خانهم، وكيف ذهب الشهداء وبقي العملاء على كراسي السلطة. السلطة التي تتسبب في انتشار المجاعة وصعوبة العيش، وتجعل طريق النهوض من الكبوة صعبا وشاقا، هي سلطة تجيز المتاجرة بالوطن والقضية، وتصنع من الشعب رقيقا لرغباتها ونزواتها.

الذئب الذي يدعون أنه استباح دم الشعب، لم نعد نراه عيانا ولكننا رأينا بأم أعيننا الإخوة وهم يرمون قضيتهم وأحلام شعبهم في جب عميق من المماطلة. ورغم محاولات الإنقاذ والتبني لهذه القضية، إلا أن جميع حبال ودلاء الرحمة والمساعدة كانت تُقطع من الإخوة قادة القضية، ويُتهم المبادرون بالخيانة والعمالة.

في القصص القرآني العظيم، اعترف إخوة يوسف بخطئهم وشنيع فعلتهم وسألوا ربهم المغفرة، واستسمحوا أخاهم الذي غفر لهم كما هي عادته مع كل خطأ أو تجاوز لهم، ولكن في قصتنا لا زال إخوة القضية يزيدون في غيهم، ويمعنون في خطئهم، ويتهمون الشرفاء بما ليس فيهم، فهل يحين الوقت لذلك الشعب المغلوب على أمره والمدفونة أحلامه في بئر سحيقة، أن يستفيق من كبوته ويشمر عن ساعديه ويبطش بكل خائن للأرض والقضية.