أصعب أمر يمكن أن نتعامل معه هو المشاعر السلبية، نحاول بكل الطرق أن نكبتها أو نتجاهلها. مَن منّا يريد أن يحمل بين جنبيه مشاعر الحزن أو التوتر أو الإحباط؟.

نعم نقرأ عن السعادة والفرح، ولكن نتفادى قدر الإمكان المشاعر السلبية، وكأننا نهجر أمرا ساكنا في دواخلنا، نقمعه ولا نريد حتى أن نسمع به أو نعرف عنه شيئا!

هل نظر أحدنا فعلا إليها على أنها أدوات تساعدنا على الانتباه إلى أمور تخصنا مثل نظرتنا إلى أنفسنا بتعمق، أو ارتباطنا بالآخرين من حولنا في مجتمع قريب أو بعيد.

لو أننا أدركنا ما لهذه المشاعر من دلالات، وفرت علينا الكثير، حيث إنها ليست فقط تنبهنا، بل تدفعنا إلى التغيير والعمل على تحسين أنفسنا، وعلى النقيض من ذلك إذا تركنا لها زمام الأمور فقد تدفعنا إلى الغضب والاكتئاب والقلق، وكلها تعتبر مشاعر معيقة لمسيرة الحياة إن لم تكن مدمرة!

التوقف للمواجهة ودراسة الأمر قد يعطينا نتائج مذهلة، بحيث تعيد إلينا إدراك نقطة التركيز لدينا والأهداف التي نسعى إلى تحقيقها، سواء أكانت عملية، اجتماعية أو روحية، نعم يصعب ذلك، لكن ما الذي نمر به في هذه الحياة ويعتبر سهلا؟!

كم سمعنا عن خيبات أمل قام أصحابها بأعمال وندموا عليها بعد ذلك، ما هي المشاعر التي مروا بها؟ حزن شديد؟ تحول إلى غيرة؟ تحول إلى غضب؟ تحول إلى اكتئاب؟

بدءا من قصص الأطفال ومعاملة الأهل لهم، التفرقة في المعاملة التي تسببت في مآسٍ كثيرة، الشعور بالظلم حين يرفد شخص ما من وظيفته لوشاية أحدهم أو لخطأ لم يرتكبه، أو يسرح آخر من عمله وهو يحمل مسؤولية أسرة، قد يكون الأمر أن الشخص تعرض للتنمر أو التعدي على حياته بطريقة أو بأخرى مما سبب له الأذى بالتأكيد، والفجيعة في صديق قام بالطعن في الظهر، والقائمة تطول، ولن تنتهي طالما أن هنالك بشرا لا ينظرون أبعد من أنوفهم، ويتعدون على الغير دون شفقة أو رحمة!

لكن ما يعنينا هنا هو نحن من نكون على جهة المتلقي، ماذا بيدنا أن نفعله؟ هنا من الطبيعي أن نحسّ بالمشاعر السلبية التي قد تكون حزنا أو إحباطا أو ندما، فلا ننسى الندم على عدم التحرك في الوقت المناسب لتفادي ما قد يقع علينا، أو الندم من القيام بأعمال تسببت في أذية الغير يومًا مَا، وحين وقع الأمر علينا شعرنا بما أحسّه الآخر حينها، نعم هنا نقف ونقيم هذه المشاعر السلبية بحيث نستخدمها لكي تدفعنا إلى تحسين وضعنا، وليس إلى قلب الوضع وتحويله إلى ساحة انتقام نجري خلفه إلى أن يدمرنا، أو إلى سوط نضرب به أنفسنا كعقاب على ما اقترفته أيدينا، وهنا نكون كمن يلقي بنفسه إلى هاوية اليأس، وإن وصل إليها صعب عليه أن يخرج منها دون أن يكون قد أحدث الأذى لنفسه أو لغيره، وتأتي الفاجعة إما لتوقظه، وإما لتزيد من سخطه وغضبه على نفسه أو على الآخرين، وهنا سيؤدي به الأمر إلى المزيد من المعاناة!

لنسامح، ولكن لا ننسى، لأنه يجب أن نتعلم من أي تجربة نمر بها في الحياة، فإن نسينا فسوف نتلقى ضربات غيرها، وهنا نكون قد ساهمنا في أذية أنفسنا، أما بالنسبة إلى أخطائنا فإن تركناها تأكلنا فسوف تسد باب الرجعة أمامنا إلى الطريق السوي، وهذا ما لا يريده أيّ واحد منا، فمن يريد أن يغرق في المآسي والخطيئة، بغض النظر عن حجمها؟! وطالما أن هنالك بابا مفتوحا بيننا وبين الخالق ـ سبحانه ـ فلنصغِ إليه حين يحدثنا: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه»، أيّ كرم هذا؟ وأيّ محبة تلك؟ كيف نتجاهل ونستمر في جهلنا وتمردنا؟!

إن سمحتَ لنفسك أن تنظر إلى المرآة وترى نفسك على صورة شِرّير فإن ذلك يفتح المجال أمام المزيد من المشاعر السلبية التي سوف تقودك إلى المزيد من الأخطاء والتعديات!

إذا أردنا أن نتعامل بطريقة صحية ومجدية مع مشاعرنا السلبية، فيجب علينا الرد على الأسباب سواء أكانت منا أو من غيرنا بطريقة عملية، أي بالاعتراف بها، ومن ثم الأخذ بزمام الأمور، بحيث نسمح للمشاعر السلبية أن تظهر ولا نكبتها أو نقمعها أو نتجاهلها، بل نتعامل معها على أنها نعمة إن أدركنا كيفية التعامل معها واستخدامها في مصلحتنا، ولنحولها إلى دافع يفتح أمامنا آفاق التركيز على طاقاتنا واستخدامها لكي نقوم بتحسين أنفسنا وتجهيزها لما هو آت. لا نريد أن نضرب رؤوسنا بالجدران أو نغرق أنفسنا في الأحزان، ما لا نستطيع أن نغيره نتجاوزه ونكمل المسيرة، فطالما أننا في هذه الحياة فسوف نعيش خبرات متنوعة ومتدرجة في مستوى التأثير علينا، من تأثيرات سلبية إلى تأثيرات إيجابية. لنركز إذًا على أهدافنا وعلى أن تكون معرفتنا لذواتنا قوية، وعلى ثقتنا بقدراتنا، وما نجد فيه نقصا نقومه ونطوره، وقبل كل ذلك الاعتماد والتوكل على رب العباد، فهو المصدر الأول لمشاعر الأمن والاطمئنان متى ما أبقينا على صلتنا به، سبحانه.