تنامى الاهتمام الأكاديمي السوسيولوجي بالجسد في السنوات الأخيرة، إذ برز «علم اجتماع الجسد» بوصفه مجالًا متميزًا للدراسة، ليصف كيف أن الجسد في الأنظمة الاجتماعية الحديثة قد أصبح المجال الرئيس للنشاط السياسي والاجتماعي.

وبات الجسد من الموضوعات الرئيسة في علم الاجتماع التي غيبت مدّة زمنيةً طويلة.

تسليع

يقول دافيد لوبروتون مؤلف كتاب «سوسيولوجيا الجسد» ، «تؤدي العولمة تسليعا رائع للجسد، فكل أنشطتها تشغل علاقات هذا الأخير بأجساد الآخرين والتمثلات، والقيم، المتخيلات المتعارضة والمتصارعة اجتماعيا عادة. ويرى لوبرتون، أن كل هذه الأبعاد تمنح المن لشغف السوسيولوجيين. كما أن هناك مجالا شاسعا للثقافة السيبرانية مع ما تثيره من اضطراب في العلاقة بالآخر بالجسد، بالجنسانية، بالصورة، بالتواصل بـ«الواقعي» بحلم البعض لشحن العقل على سند أعلامياتي أو اقتران البدن والمعلوميات مع البيولوجيا الإلكترونية.

صيانة المظهر

يتكون الكتاب من ستة فصول، وفي مقدمته يعتبر الكاتب سوسيولوجيا الجسد فصلا من السوسيولوجيا المختصة بفهم الجسدية الإنسانية كظاهرة مجتمعية وثقافية، مادة للرمز وموضوعا للتمثلات والمتخيل. حيث يذكرنا النشاط اليومي الذي يجعل الإنسان في كل لحظة يرى ويسمع ويتذوق ويشم ويلمس، أن هذا الجسد الذي صنع السياق الاجتماعي والثقافي الذي يخوض فيه الفاعل الإنسان، ماهو إلا ذلك الجانب الدلالي الذي من خلاله تتجلى واقعية علاقته بالعالم الخارجي والمكونة من الأنشطة الإدراكية والتعبير عن المشاعر، والخضوع لطقوس التفاعل مع الآخر، على مستوى الحركيات والإيماءات، صيانة المظهر، التفاعلات الحميمة، التقنيات، صيانة الجسم، العلاقة بالألم، فالتواجد هو أولا جسدي. وسواء كان هذا الجسد مرسلا أو مستقبلا، فإنه ينتج المعاني دون هوادة، ويعمل على دمج الإنسان بكل قوة داخل فضاء اجتماعي وثقافي معين.

قيم فارقة

تناول الفصل الأول المراحل التي بحثتها العلوم الاجتماعية في مقاربتها للجسد، وتضمن الفصل الثاني الالتباس الحاصل لمفهوم الجسد في العلوم الأخرى «التاريخية، الأنثربولوجية، السيكولوجية.. «، أما الفصل الثالث، فقد تضمن المنهجية التحليلية المتبعة في السوسيولوجيا في بحثها عن الجسد. وناقش الفصل الرابع الدراسات التي أجرتها العلوم الاجتماعية في ميدان الجسد «تقنيات الجسد، النشاط الإدراكي، الحركات، قواعد التصنيف، التعبير عن المشاعر، تقنيات المقابلة، الرسم على الجلد..»، وناقش الفصل الخامس المتخيلات الاجتماعية للجسد: نظريات الجسد، المقاربات البيولوجية، التأويل الاجتماعي والثقافي للاختلاف الجنسي، القيم الفارقة المؤثرة في الجسدية، خيال التمييز العنصري، الجسد المعوق. وتضمن الفصل السادس، الجسد من تصرفات وعلاقات داخل المجتمع المعاصر، اللعب على المظاهر، التحكم السياسي بالجسدية، الشرائح الاجتماعية وعلاقتها بالجسد، العلاقات بالحداثة، استعمال القدرات البدنية، وأخيرًا تأمل حول وضعية الجسد.

موروث جيني

من خلال البحوث التي عدّت الإنسان محض جسم، أي لم تفرق بين الإنسان وجسده، والأمثلة على ذلك أدوية الطب الشعبي التي ما زالت موجودة في المجتمعات كافة وحتى وقتنا الحالي، وبخاصة التقليدية وبعض الرموز الفيزيولوجية للمرأة في علاقاتها مع محيطها البيئي، إذ في أثناء عادتها الشهرية تمتنع عن العمل في الأراضي الزراعية ذات المنتجات الغذائية (الخضار والفواكه)، وهي إن فعلت سيكون المنتوج منخفض الجودة أو فاسدًا، خصوصًا لدى العائلات المتمسكة بالسلوك الديني.

ويتوجه السوسيولوجيون إلى عدم الخجل أمام الطب الذي يزعم امتلاك الحقيقة حول الجسد، أو أمام البيولوجيا التي تفسر السلوك البشري بالموروث الجيني للبشر، إذ يجب إخضاع الاجتماعي للموروث الجيني، حيث هناك عدد من السلوكات الاجتماعية التي تفسر بالجينات المتوارثة أكثر مما تفسر بالتنشئة الاجتماعية وغيرها.

توازن نفسي

يستشهد الكاتب بمقولة (بيير بورديو) عن الجسد في مقال بعنوان: «الاستعمالات الاجتماعية للجسد» هو: تشيئ لذوق الطبقة من دون أدنى شك، فالعمال يعطون للقوة الجسدية أهمية أكثر من أصحاب المهن العقلية، إذ يعطي الأخيرون قيمة للطاقة والجمال أكثر، من السهل أن نبين أن الطبقات الاجتماعية على اختلافها لا تتوافق حول ممارسة الرياضة، وسواء أكانت الاستفادة الخاصة حتمًا جسدية، فإنه يصعب القول إنها حقيقية أو خيالية، ما دامت الحقيقة متوقعة خارجيًا بالنسبة إلى الجسد مثل الرشاقة والأناقة أو تنمية الجهاز العضلي، وأولها تأثيرات في الجسد الداخلي مثل السلامة الصحية أو التوازن النفسي.

دافيد لوبروتون

- مواليد 1953

- أنثروبولوجي وعالم اجتماع فرنسي

- أستاذ بجامعة ستراسبورغ، وعضو في المعهد الجامعي الفرنسي

- متخصص في تمثيل الجسم البشري ووضعه في الاعتبار

- تكتسب أبحاثه أهمية خاصة، ضمن حقل العلوم الاجتماعية المعاصرة،

- عرف باهتمامه بمجالات هامشية، لا ينتبه لها علماء الأنثروبولوجيا، وعلماء الاجتماع إلا فيما ندر

- باحث في مختبر «الثقافات والمجتمعات في أوروبا»

- عام 2007، نشر روايته «الموت على الطريق» التي نالت جائزة بولار ميشيل لوبرون

حدد الكاتب التباسين حول الجسد

1 - اختلاف المتغيرات الثقافية من مجتمع إلى آخر، وتشابهها في عدد من المجتمعات البشرية.

2 - خطر الفكر الثنائي الملازم لاستعمال “الجسد” من دون حذر

3 طرائق لدراسة موضوع الجسد

1- السوسيولوجيا الضمنية

ركزت على الحالة الجسدية للإنسان، من خلال «الفقر الجسدي القابل للمرض، الإدمان على الكحول، ممارسة الدعارة، عمالة الأطفال»

2- السوسيولوجيا المتقطعة

أعمال (ج. زيميل) من «الحواسية وتبادلات النظر سنة 1908»

معالجة (روبرت هرتز) مسألة رفع اليد اليمنى «داخل المجتمعات الإنسانية

دراسة (مارسيل موس) حول «التعبير القسري للمشاعر» عام 1921 وتقنيات الجسد.

مدرسة شيكاغو

كتاب (ج. ه. ميد) 1934 عالج طقوس التفاعل عند البشر

أول محاولة كلاسيكية للسوسيولوجيا التاريخية كانت في ألمانيا، كتاب “حضارة الأخلاق” عام 1939 للكاتب (نوبرت الياس)

عام 1941 أصدر (دافيد أفرون) «الحركية، الجنس، والثقافة»، بحث الإيماءات الجسدية في أثناء التفاعل

3- إسهامات إثنولوجية مواجهة بعض علماء السلالات والأنساب ممارسات جسدية أججت اهتمامهم.