يواجه العالم تحديات صعبة ليس أقلها وباء كوفيد - 19، ولا ينقصه إشعال حرب تدور رحاها بين أذربيجان وأرمينيا. وبما أن لهذا الصراع أبعادا عرقية، فلا غرابة أن توجد بصمات إيران ومدافع تركيا في هذه الحرب متذرعتين بمشكلة إقليم «ناقورني قره باخ»، الذي يعد من أقدم بؤر التوتر، ولم يحظ بحل عادل لأسباب منها تدخلات جيران السوء (إيران - تركيا).

وبمركز الدراسات العربية الروسية، قلت لسفير أذربيجان بالرياض «شاهين عبدالله» إن صراعكم مع أرمينيا في أبعاده التاريخية والقومية والدولية يشبه إلى حد كبير الصراع العربي الإسرائيلي وقضية فلسطين، وليتكم تتعظون بغيركم وتعلمون أن تركيا لم تقدم يوماً حلاً لأحد، ولا حتى لنفسها وهي تخوض صراعا داخليا «عرقيا» مسلحا. وبعيداً عن الاستغلال الخارجي للصراع، فإن هذا الإقليم محل النزاع، هو ضمن أراضي أذربيجان، ومُعترف به دولياً كجزء منها بموجب قرارات أممية.

والأرمن هم غالبية سكان الإقليم ويديرون شؤونه بأنفسهم، ولكن بدعم سياسي وعسكري ومالي من أرمينيا منذ توقفت حرب عام 1994. والجديد في هذا الصراع هو إلقاء تركيا بثقلها مباشرة في الحرب، وهذا غير مستغرب في عهد رئيس تركي مرتبك، اسمه إردوغان، والحقيقة أن من وضعه في هذا المأزق، هو الداهية، الرئيس فلاديمير بوتين، الذي التزم الحياد حتى الآن، مع أنه حليف لأرمينيا عبر معاهدة دفاعية، ولديه علاقات جيدة وتعاون عسكري مع باكو، وهو ما سمح بتدفق الأسلحة الروسية المتقدمة على الطرفين المتحاربين!، والسماح ضمناً لتركيا بإمداد أذربيجان بالأسلحة والمستشارين.

وما يجب قوله أن التدخل العسكري التركي لن يؤدي إلى عودة الإقليم لأذربيجان في هذه المرحلة، ولن يعطي أفضلية للموقف التفاوضي، والأهم أن هذا التدخل التركي لن يبقى الوحيد الذي يؤثر في ميزان القوى وعلى نتيجة الحرب، فهناك قوى دولية أخرى تراقب عن كثب وتستطيع تجاوز التأثير التركي سريعاً في الوقت المناسب، كما حدث في سورية عندما تُرك إردوغان يتورط بطيئاً ليخرج بخفي حنين، وسيتكرر ذلك مع تركيا بشرق البحر المتوسط وفي ليبيا وشمال العراق وقطر.

وأخيراً، يتساءل العقلاء، ما هي مصلحة الأتراك من الدخول في هذه الحرب الخاسرة بين دولتين مستقلتين، والجواب لا شيء ذا قيمة سيعود من وراء ذلك على الشعب التركي، بل الواقع أنه يستنزف اقتصادهم ويشوه سمعة بلادهم ويقدم أسوأ الحلول لأذربيجان.

ولا يبدو أن هناك استعجالا في روسيا والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار قبل أن تدمي أشواك إقليم «ناقورني قره باج» أصابع الرئيس إردوغان. أما الموقف العربي المؤثر فكما يبدو أنه يتخذ موقف الحذر الشديد من نزاعات يشعلها، إردوغان تركيا، وخامنئي إيران. وهذه حكمة.