بمناسبة #اليوم_العالمي_للصحة_النفسية قامت جامعة بيشة ضمن مبادراتها المجتمعية بتنظيم فعالية، عبارة عن استشارات مجانية يقدمها الدكتور محمد فهد القحطاني استشاري الطب النفسي ورئيس وحدة الإرشاد النفسي بتلك الجامعة، لزوار مكان سياحي شهير في إحدى القرى أو المحافظات.

وفي نفس تلك الفعالية وبعد قرابة الساعتين من بدايتها ظهر القحطاني عبر أحد حساباته على السوشيال ميديا، قائلا رغم أنها استشارات مجانية على عكس ما يُدفع عليها في البلدان الأجنبية من مبالغ باهظة، إلا أنه لم يحضر أحد للسؤال عن أية استشارة حتى الآن، رغم أن هناك لوحات في مدخل الفعالية لتغريدات تظهر علاقة الصحة النفسية بكل بيت وأسرة، ومنها ما يتحدث عن العلاقة الزوجية والأسرية وحياة الأبناء، ومع ذلك لم يجد أحد منهم ما يثير اهتمامه في هذه الكلمات، وبهذا يحضرون هنا فقط لالتقاط الصور للمكان التراثي من الخارج ويذهبون، وكان يتساءل، هل تعتقدون أن سبب ذلك هو رؤية المجتمع أنه ما زال عيبا أن يراجع أحدهم طبيبا نفسيا؟

سأجيبك يا دكتور، بحكم أنني قد جلست بالقرب من إحدى فعالياتك والتي قدمتها كاستشارات نفسية مجانية لأسر مرضى الصم والبكم في أسبوع توعوي قدم على رصيف (شارع التحلية) بالرياض، إذ كان يحضر عندك كل 10 دقائق تقريبا عائلة تبحث عن تلك الاستشارات، وليست من العائلات المستهدفة بل من جميع الأسر، ومن مختلف فئات المجتمع، وهذا لأن شارع التحلية يقصده الجميع فلا يجد المرء في نفسه حرجا أن يجالس طبيبا نفسيا أمام المارة، لأنه يشعر أنه في مجتمع كبير فلا يعرف أحدا ولا أحد سيتعرف عليه.

على عكس المجتمعات الصغيرة إذ تجد أن المرء يهتم بما يفعله وكيف سيراه الآخرون، لأن هذا مجتمعه الصغير ويعلم أن أية سمعة ولو كانت صغيرة ستنتشر في ذلك المجتمع «انتشار النار في الهشيم»، وهذا سبب وجود طبيب نفسي في أحد البنوك يستلم مرتبه الشهري الذي يتجاوز الـ 28 ألفا، في وقت كانت عيادته مفتوحة في المستشفى العام بتلك المحافظة ولم يكن مستعجلا بل رفض أن تتم خدمته قبل البقية، لأنه بالمختصر لم يصل له أي مراجع طوال ذلك اليوم بل وحتى ذلك الأسبوع كله، رغم أن المراجعين من تلك المحافظة يتزاحمون على عيادات الطب النفسي في المدن الكبرى، فقط حتى لا يعرف «ربعهم» أنهم يزورون طبيبا نفسيا.

للأسف هناك علاقة بين الجهل والمحاربة، فمن يجهل شيئا يعتقد بعدم فائدته، بل بوجوب محاربته حتى يثبت عكس ذلك، والطب النفسي أو ما يجعل الإنسان يعود إلى أو يحافظ على صحته النفسية، مازال تحت طور من أطوار الجهل في مجتمعاتنا، بل وتربط زيارة الطبيب النفسي بأنها فقط للتخلص من الإدمان على المخدرات، وهم لا يعلمون أن 50% من السعوديين مصابون بأمراض نفسية، وبحسب المسح الوطني للصحة النفسية أن هناك 83% من المصابين بأمراض نفسية لا يسعون للحصول على أية استشارة نفسية أو خدمات علاجية، أي أنه لا يتلقى العلاج إلا 17% فقط، رغم أن العلاج مجاني ولكن باختصار (عيب الطب النفسي أنه عيب).