أتمنى أن أملك عصاً سحرية. أو أي أمر يمكن له أن يكشف لي شعور الأحزاب العروبية والقومجية والمقاومة التي تكتسب صفة "الدجل" أحياناً كثيرة، مع المؤيدين والمُحبين والمؤمنين بمبادئ المواجهة.

بعد انتهاء الجولة الأولى التي جمعت الطرفين اللبناني والإسرائيلي على طاولة مفاوضات، بإشرافٍ أُممي، وبغطاءٍ أمريكي، بهدف ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بانتظار الجولة الثانية في السادس والعشرين من أكتوبر الجاري، أتمنى أن أفهم ما إذا كان فتح ملف التفاوض مع العدو حسب وصف تلك الأطراف، يُعتبر تطبيعاً، أو تنازلاً من قبل الصغار للكبار، أم بحثاً عن مصلحة وطنية.

وأين اختفى الضجيج الذي خلفته الاتفاقية التي أبرمتها أبو ظبي والمنامة مع تل أبيب.

هل ستبقى الممانعة على ما هي عليه، وهل سيبقى طريق تحرير القدس معبداً بالورود، أم بالألغام التي كرست لبقاء ذلك الشعار على مدى عشرات السنين؟ لا أعلم.

أعتقد أن في جعبتي كثيرا من الأسئلة. أولها لماذا جاء إعلان التوصل إلى اتفاق مع الطرف الإسرائيلي على إجراء مفاوضات تنتهي ربما بترسيم الحدود، على لسان رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل نبيه بري. بينما المفترض أن قراراً مصيرياً كهذا من المفترض وفق البروتوكولات على أقل تقدير يصدر من بعبدا، حيث الرئيس ميشال عون حليف حزب الله.. هل يشي ذلك بأن الدولة العميقة في لبنان هي من لجأت لهذه الخطوة، وهل هي التي تحكم لبنان وأدرى بمصالحه من رئيسٍ استمات للرئاسة فقط لمجرد الرئاسة. أم أن ذلك إيحاء بأن القرارات المصيرية لا يملك الجنرال حلاً ولا ربطاً بمصيرها.

أو يعني ابتعاداً وتجنبا من قبل الجنرال عن الاصطدام بالمؤيدين على الصعيد المحلي والإقليمي؟ لا أعلم.

وفي موازاة ذلك، ومع خلط الأوراق في وجه عواصم عديدة، كيف سيكون الوضع في دمشق "قلعة الصمود"، التي لا بد من المرور بها وصولاً إلى تحرير القدس "حسب الشعارات". وماذا سيكون الموقف في طهران التي تبنت القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، ليس حباً بها، بل لتكون شماعةً لتمرير أجندتها التوسعية. وما يمكن أن تؤول إليه الشعارات العثمانية في أنقرة. هل سيٌهدد بيروت كما هدد أبو ظبي بسحب السفير التركي احتجاجاً على توقيع اتفاقية مع تل أبيب، والسفارة الإسرائيلية في عاصمة بلاده على مرمى حجر من قصره؟ لا أعلم.

وهل سيُهرع الانفصاليون في غزة من حركة حماس الإرهابية والجهاد الإسلامي إلى طهران لممارسة الانبطاح والتباكي في حضن المرشد الأعظم المنقذ؟ لا أعلم.

وبماذا يُفسر حزب الله في لبنان ومن يجري في فلكه هذا الاتفاق، تطبيعاً من وراء ستار أو من أجل المصلحة. أو تنازلاً قدمه الحزب ومحوره للشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية. وماذا سيكون عليه موقف الحزب أيضاً من افتراض انتشار قواتٍ دولية على الحدود، وربما في قلب العاصمة اللبنانية بيروت. وحتماً في المرفأ باعتباره منطلقاً حدودياً.

وهل سيقف الحزب مكتوف الأيدي، هل سيكون لقوات "اليونيفيل" المزمع نشرها، دور رقابي على عمليات تهريب السلاح من لبنان إلى الحليف الأسد في دمشق.

وهل سيعني ذلك الاتفاق اللبناني الإسرائيلي - وإن كان بالدرجة الأولى حول مفاوضات لترسيم الحدود - توقفاً للمشروع الإيراني في لبنان وسورية؟ لا أعلم.

ولماذا أوكل حزب الله لقناة الجزيرة التي غدت ناطقةَ باسمه الإجابة عنه لتسجيل موقف حول ما طرأ، وقالت نقلاً عن مصادرها من داخل الحزب "إن التفاوض لا يعتبر تطبيعاً".

أين اختفى زعماء حزب البعث، ومطبلاتيته. وحزب التوحيد العربي بوئام وهاب المأجور الأكبر لمن يدفع أكثر.

وأين صناع الشعارات، ومرددوها والمصفقون لها.

أين بثينة التي تحكم قصر الشعب في دمشق أكثر من الأسد الذي بات يملك ولا يحكم، باعتبار أن السلطة السورية باتت مقسومةً على اثنين. جنرالات روسيا، ومرتزقة إيران، أين كل هؤلاء.؟ لا أعلم.

ما أفهمه باختصار، والفهم يختلف بالمطلق عن العلم، أن الإعلان جاء على لسان زعيم حركة أمل نبيه بري وليس على لسان رئيس الجمهورية، باعتبار بري نداً أو موازياً في الثقل الطائفي لحزب الله، أما الجنرال مجرد حليف يملك حزب الله قرار وجوده في المشهد وإبعاده. لذلك برز بري واختفى الرئيس. وما أفهمه أن قلعة الصمود لم تعد قلعةً للصمود كما يُطلق عليها، بقدر ماهي قلعة لمنصات الصواريخ الأجنبية الموجهة لأسقف منازل السوريين.

وما أفهمه أيضاً أن لا طهران ولا أنقرة تملكان الجرأة لا في التأثير بقرار قادم من واشنطن. وما أفهمه في الوقت ذاته أن حزب الله بات مجبراً على تقديم تنازلات لـ"الشيطان الأكبر" وليس مُخيراً.

فالمهاترات ولغة التحدي ستتبخر وتذهب مع الريح. وما أفهمه أيضاً أن حزب الله يعيش أقسى أيامه، ترقباً للانتخابات الأمريكية. إن انتخب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لولاية ثانية، فستكون أياماً بلونٍ أسود على الحزب. فالشيطان الأكبر في أول عهده، لن يكون الشيطان الأكبر في آخره، والأيام حُبلى. هل سينتصر "الشيطان الأكبر الموصوف" للشعب اللبناني ويعيد مقدراتها، وأهمها كسر شوكة الحزب المسلح المتمرد. أم سينتصر المقاومون "الشيطان الحقيقي" وتعود لبنان للمربع صفر؟ لا أعلم.. لكننا سنرى.