تُعقد المؤتمرات بهدف معالجة تحديات قائمة، سواء كانت فكرية أم مؤسسية أم تنموية مختلفة المسارات، للاستفادة مما تتضمنه من مشاركات علمية، ومناقشات لمعالجة موضوع محدد. ومن خلال الطرح العلمي للمشكلة وتسليط الضوء عليها، تُكشف تفاصيلها، وتُرصد جوانب الخلل فيها، بما يمكن من الوقوف بشفافية على طبيعة التحديات التي تواجه المشكلة المطروحة، وسبل معالجتها، أو الآلية المناسبة للحد منها، بالاستناد إلى دراسات ومرجعيات علمية، وتجارب دولية تسهم في وضع النقاط على الحروف.

في إطار الفعاليات والجهود الوطنية في مجموعة العشرين، وبقيادة هيئة تقويم التعليم والتدريب، عقد المؤتمر الدولي الأهم لمناقشة الكثير من الموضوعات المتعلقة بجودة التعليم وآلية تقويمه وتطويره ليحاكي المستويات العالمية المتقدمة، ضمن مشاركات عالمية ووطنية متميزة، سواء في محتوى مشاركاتها، أو في مستوى ما تمثله من مسؤوليات مؤسسية عليا، إضافة إلى ما طرح من موضوعات لأوراق علمية ثرية، لجميع ما يتعلق بالعملية التعليمية ومتطلباتها سواء في جودة الأداء أو في آلية التقويم أو في السياسات والإجراءات المتبعة لدى الدول المتميزة في جودة تعليمها، واحتوى ذلك التعليم العام والعالي بجميع ما يحتاجه المساران من تطوير في الأداء لمضمون المنظومة التعليمية، وما يتطلبه من تجويد في التقويم وفق معايير ومؤشرات دولية تحتوي العملية التعليمية بمكوناتها ومستوياتها كافة.

هيئة تقويم التعليم والتدريب، مثلت نموذجاً وطنياً مشرفاً في مستوى الإعداد للمؤتمر بجميع متطلباته الإدارية والفنية والتقنية والعلمية، وكانت أهمية الأوراق المشاركة سواء بموضوعاتها المتنوعة والحيوية، أو بمستوى المشاركين والمشاركات وما يمثلونه من جهات ودول، وبما يحملونه من تجارب ودراسات علمية ثرية، إضافة كبيرة لفعاليات المؤتمر ولقيمته الوطنية والعالمية، ليس في المحتوى التعليمي فحسب، وإنما في تجسيد دور المملكة في أداء مستوى متقدم من المشاركات المهمة للتطوير والتنمية العالمية في إطار مجموعة العشرين، علاوة على ما نستهدفه وطنياً من سياسات وإجراءات مؤسسية لتحقيق رؤية المملكة 2030.

تضمن المؤتمر مشاركات مهمة على المستوى الوطني، من الجهات المعنية بالتعليم، وبتقويم التعليم والتدريب، وبإدارة البيانات الوطنية، واقعها وتطلعات تطويرها، ومثلت الأوراق المشاركة من مسؤولي وقيادات هيئة التقويم، جانبا محورياً وهاماً من المشاركات العلمية، والتي ألقت الضوء على جهود الهيئة التطويرية في برامج الاعتماد المؤسسي والبرامجي للتعليم العالي، وفيما تسعى إليه من مشاركات مع الجهات المختلفة بهدف تحسين جودة التعليم والتدريب، وفي توافقه مع متطلبات سوق العمل، وأبرزت الدراسات جهود الهيئة، خلال جائحة كورونا بدراسات تقويمية لواقع العملية التعليمية، وما أفرزته المرحلة من تحديات تتطلب مراجعة السياسات التعليمية وتطوير الإجراءات المنفذة، بهدف تحسين جودة التعليم والارتقاء بمستوى أدائه، وبما يتطلب التكامل بين الجهات التنفيذية والتقويمية، علاوة على ما تم استعراضه من تجارب دولية متميزة، وما تواجهه الهيئة من تحديات في التقويم على المستوى الوطني، وقد خرجت الدراسات بنتائج علمية جوهرية أهمها:

-1 أهمية الحد من مركزية إدارة التعليم.

-2 اعتماد التعليم عن بعد كإجراء متبع بعد الجائحة.

-3 ضرورة تطوير آلية التعليم عن بعد وتطوير المشرفين.

-4 الاهتمام بالفئات الأقل حظاً في الإمكانات، والذين يمثلون فاقدا في التعليم ومعالجته.

-5 أولوية تقويم الطلبة مع مطلع العام الدراسي للعام القادم، وتعويض الفاقد لديهم بوسائل مختلفة.

-6 أهمية تكامل السياسات من أجل التحسين المستمر للعملية التعليمية ومخرجاتها.

لعل من أبرز المشاركات الدولية التي تجدر الإشارة اليها، مناقشة وزيرة التعليم السابقة، في نيوزيلندا لإصلاحات التعليم في بلدها والتي استعرضت فيها العديد من المرتكزات الاستراتيجية في نجاح الإصلاح مثل: أهمية استشعار المجتمع لمسؤوليته نحو جودة التعليم، والايمان بأن أنظمتنا التعليمية وقوة اقتصادنا يحددان مكاننا في العالم، وأن مناهجنا وتقويماتنا وجودة مهاراتنا ومؤهلاتنا، تعكس القيمة التي نقدمها للمجتمع وتحدد التدابير اللازم اتخاذها لتقوية اقتصاداتنا، ودعت إلى تعزيز الاهتمام بمقدراتنا البشرية لأنها المورد الطبيعي الفريد لأي بلد، لكونهم يمثلون لغته وثقافته، مع الاهتمام بزيادة التواصل على المستوى العالمي لتبادل الثقافات، وأوصت بأهمية التحسين المستمر للعملية التعليمية بما يواكب التغيرات والتطورات العالمية، لأن أذكى الاستثمارات الاقتصادية للدول، هي الاستثمار في مؤهلات ومهارات شعوبها، ونادت بأهمية الاستثمار في التطوير المهني لقادة المدارس والمعلمين والاستثمار في تدريبهم واستحداث مسارات وظيفية جديدة للقيادات، وتكريم المتميزين منهم، كما دعت لإشراك أولياء الأمور والمجتمعات في تطوير الأداء باستخدام معايير وطنية في إنشاء قاعدة بيانات واضحة للمجتمع المحلي.

وفي مناقشة أخرى، لدراسة مشاركة من جامعة ستانفورد، ركزت على علاقة التعليم بالنمو الاقتصادي في المملكة وما يواجهه من تحديات، مع استعراض ما توصلت إليه الدراسة من نتائج مهمة حول مستقبل اقتصاد المملكة وحاجته إلى تطوير القطاع الحيوي غير النفطي، وأن النمو الاقتصادي المتوازن يتطلب تعزيز المهارات لأفراد المجتمع، ونوهت الدراسة بأن التعليم بوضعه الحالي من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثالث ثانوي لا يدعو للنمو، وأن مستوى التركيز على الطفولة المبكرة والتعليم العالي والمهارات اللامعرفية هو دون المستوى المطلوب، وذلك يتطلب التركيز على السياسات المتعلقة بالمعلمين من حيث مستوى تأهيلهم، وأهمية تقوية كليات المعلمين وتوفير التطوير المهني، وذلك يتطلب أنظمة تقويم يعتمد عليها، وحوافز للمعلمين والطلاب، وأشارت إلى أنه من أولويات جودة قطاع التعليم توفير مقاييس الأداء المعتمدة ووضع الحوافز، وأن من أهم تحديات التعليم الحالي في المملكة، هو ذلك الخلل القائم في سوق العمل الخاص، وقلة الوعي بثقافة ريادة الأعمال وضعفها.

في ضوء ما تم استعراضه من دراسات، وما لم يتم مناقشته لمحدودية المساحة، فإن الأمل معقود والتطلع بشغف نحو الاستفادة من المخرجات العلمية للدراسات القيمة التي أثرت الملتقى، في تطوير التعليم وإصلاحه بما يوافق التطورات الدولية ويقارب المعايير المعتمدة عالمياً في تقويم العملية التعليمية بجميع تفاصيلها، التي نوقشت في أوراق المؤتمر.

وعليه لا يسعنا إلا أن نقدم وافر الشكر والتقدير والامتنان لهيئة تقويم التعليم والتدريب، فيما قدمته من جهود مشرفة وما بذلته من إمكانيات راقية وما استقطبته من دراسات تليق بتحدياتنا وطموحاتنا نحو تحقيق رؤية 2030.